للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال عياض: لم يأخذ مالك بهذا الحديث -يعني حديث: "ما لم يتفرقا" واعتذر أصحابه عن مخالفته إياه -مع أنه رواه بنفسه- بمعاذير منها: أنهم قالوا: لعله حمل التفرق ها هنا على التفرق بالأقوال فيكون معنى قوله: "المتبايعان" أي المتساومان، فكأنهما بالخيار ما داما يتساومان حتى يفترقا بالإيجاب والقبول، فيجب البيع وإن لم يفترقا بالأبدان.

قالوا: والافتراق بالأقوال تسمية غير مستنكرة، وقد قال تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} (١) يعني المطلق، والطلاق لا يشترط فيه فرقة الأبدان، واستدلوا على هذا بما وقع في الترمذي (٢) والنسائي (٣) وأبي داود (٤) من قوله: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله" ولا وجه لحمل الاستقالة على الفسخ؛ لأن ذلك بعيد من مقتضاها في اللسان، ولأنه أيضًا إذا قال أحدهما لصاحبه: اختر، فاختار، وجب البيع، ولا فرق بين هذا الالتزام الثاني، والالتزام الأول؛ لأن المجلس لم يفترقا عنه، فإذا وجب بالقول الثاني وجه بالقول الأول.

واعتذر آخرون بأن قالوا: العمل إذا خالف الحديث وجب الرجوع إلى العمل؛ لأن من تقدم لا يُتَّهمون بمخالفة هذا الحديث الظاهر، إلا أنهم علموا الناسخ له فتركوه لأجله.

وقال آخرون: لعل المراد به الاستحباب على قبول استقالة أحد المتبايعين بالفسخ وتكون الإقامة في المجلس سنة بهذا الحديث وبعد الافتراق في المجلس تفضلا واستحبابا.


(١) سورة النساء، آية: [١٣٠].
(٢) "جامع الترمذي" (٣/ ٥٥٠ رقم ١٢٤٧).
(٣) "المجتبى" (٧/ ٢٥١ رقم ٤٤٨٣).
(٤) "سنن أبي داود" (٢/ ٢٩٤ رقم ٣٤٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>