ص: وقال آخرون: هذه الفُرقة المذكورة في هذا الحديث هي الفرقة بالأبدان، فلا يتم البيع حتى تكون، فإذا كانت تم البيع، واحتجوا في ذلك بأن الخبر أطلق ذكر متبايعين فقال:"البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"، قالوا: فهما قبل البيع متساومان، فإذا تبايعا صارا متبايعين، فكان اسم التبايع لا يجب لها إلا بعد العقد، فثم يجب لهما الخيار.
ش: أي قال قوم آخرون: وأراد بهم سعيد بن المسبب والزهري وعطاء بن أبي رباح وابن أبي ذئب وسفيان بن عيينة والأوزاعي والليث بن سعد وابن أبي مليكة والحسن البصري وهشام بن يوسف وابنه عبد الرحمن وعبد الله بن الحسن القاضي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبا ثور وأبا عبيد وأبا سليمان ومحمد بن جرير الطبري وأهل الظاهر؛ فإنهم قالوا: الفرقة المذكورة في هذا الحديث هي التفرق بالأبدان، فلا يتم البيع حتى يوجد التفرق بالأبدان.
وقال ابن حزم (١): إلا أن الأوزاعي قال كل بيع فالمتبايعان فيه بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما إلا بيوعًا ثلاثًا: المغنم، والشركاء في الميراث يتقاومونه، والشركاء في التجارة يتقاومونها، قال الأوزاعي: وحدُّ التفرق أن يغيب كل واحد منهما عن صاحبه حتى لا يراه، وقال عياض: قال الليث: هو أن يقوم أحدهما.
وقال الباقون: هو افتراقهما عن مجلسهما أو مقامها.
ص: واحتجوا في ذلك أيضًا بما روي عن ابن عمر -رضي الله عنه-: "أنه كان إذا بايع رجلاً شيئًا فأراد أن لا يقيله قام يمشي ثم رجع" قالوا: وهو قد سمع من النبي -عليه السلام- قوله:"البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" فكان ذلك عنده على التفرق بالأبدان، وعلى أن البيع يتم بذلك، فدل ما فكرنا على أن مراد النبي -عليه السلام- كان كذلك أيضًا.
ش: أي واحتج هؤلاء الآخرون أيضًا فيما ذهبوا إليه من أن المراد من التفرق هو التفرق بالأبدان، بما روي عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-.