أخرجه مسلم (١): ثنا زهير بن حرب وابن أبي عمر، كلاهما عن سفيان -قال زهير: نا سفيان بن عيينة- عن ابن جريج، قال أملى عليّ نافع، سمع عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله -عليه السلام-: "إذا تبايع المتبايعان بالبيع، فكل واحد منهما بالخيار من بيعه ما لم يتفرقا، أو يكون بيعهما عن خيار، فإذا كان بيعهما عن خيار فقد وجب" زاد ابن أبي عمر في روايته: قال نافع: "فكان إذا بايع رجلا فأراد أن لا يقيله؛ قام يمشي هنيهة ثم رجع إليه". انتهى.
قالوا: وهو أي عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قد سمع من النبي -عليه السلام- قوله:"البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"، فكان معنى ذلك عنده على التفرق بالأبدان، وعلى أن البيع لا يتم إلا بذلك، حتى كان قبل التفرق لكل منهما الفسخ.
وقال عياض: هذا يدل على أخذ ابن عمر بالحديث، وأن التفرق بالأبدان.
ص: واحتجوا في ذلك بحديث أبي برزة الذي قد ذكرناه عنه في أول هذا الباب، وبقوله للرجلين اللذين اختصما إليه:"ما أراكما تفرقتما" فكان ذلك التفرق عنده هو التفرق بالأبدان، ولم يتم البيع عنده قبل ذلك التفرق.
ش: أي واحتج هؤلاء الآخرون أيضًا بحديث أبي برزة المذكور في هذا الباب، وفيه:"وما أراكما تفرقتما" فهذا يدل على أن التفرق بالأبدان، وأن البيع لا يتم قبل ذلك، ولو كان التفرق بالأقوال لحكم -عليه السلام- بتمام البيع بين ذينك الرجلين اللذين اختصما عنده، فحيث قال:"ما أراكما تفرقتما" دل أن المراد من التفرق هو التفرق بالأبدان، وقد مَرَّ الجواب عن ذلك عند ذكر الحديث، فافهم.
ص: فكان من الحجة عندنا على أهل هذه المقالة لأهل المقالتين الأولين: أن ما ذكروا من قولهم لا يكونان متبايعين إلا بعد أن يتعاقد البيع، وهما قبل ذلك متساومان غير متبايعين، فذلك إغفال منهم لسعة اللغة، لأنه قد يحتمل أن يكونا سميا متبايعين لقربهما من التبايع، وان لم يكونا تبايعا، وهذا موجود في اللغة، قد