الخليل -عليه السلام- السكين على حلقه، وهذا فعل يسمى من فعاله ذبحًا، وما نبالي عن هذه التسمية؛ لأنها لم تأت قط في قرآن ولا في سمة، فلا تقوم بها حجة.
قلت: هذه مكابرة من ابن حزم وعدم معرفة بدلالات المعاني من الألفاظ؛ لأنا لم ندع أن الله تعالى سمي ذبيحًا أو ثبت عن رسول الله -عليه السلام- أنه سمى ذبيحًا، ولكن ضرب هذا تمثيلًا لإطلاق اسم الشيء على الشيء باعتبار قربه منه، وهذا باب واسع شائع ذاع في العربية ولا ينكر إلا العامي وهو ناقص في كلامه فلم يفهمه؛ لأن قوله:"وإن أطلق ذلك ... " إلى آخره يؤيد ما ذكره من أن الشيء يطلق على الشيء باعتبار قربه منه، وإن لم يكن حقيقةً ذلك الشيء. فافهم.
ص: وأما ما ذكروا عن ابن عمر -رضي الله عنهما- من فعله الذي استدلوا به على مراد رسول الله -عليه السلام- في الفرقة، بأن ذلك قد يحتمل عندنا ما قالوا ويحتمل غير ذلك، قد يجوز أن يكون ابن عمر أشكلت عليه تلك الفرقة التي قد سمعها من رسول الله -عليه السلام- ما هي؟ فاحتملت عنده الفرقة بالأبدان على ما ذكره أهل المقالة الأولى، واحتملت عنده الفرقة بالأبدان على ما ذكره أهل المقالة التي ذهب إليها عيسى، واحتملت عنده الفرقة بالأقوال على ما ذهب إليه الآخرون، ولم يحضره دليل يدله أنه بأحدها أولى منه مما سواه عنها، ففارق بائعه ببدنه احتياطًا.
ويحتمل أيضًا أن يكون فعل ذلك لأن بعض الناس يرى أن البيع لا يتم إلا بذلك، وهو يرى أن البيع يتم بغيره، فأراد أن يتم البيع في قوله وقول مخالفه حتى لا يكون لبائعه نقض البيع عليه في قوله ولا قول مخالفه.
ش: هذا جواب عن ما ذكره أهل المقالة الثالثة عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- من فعله في البيع:"أنه إذا بايع رجلاً شيئًا فأراد أن لا يقيله قام يمشي ثم رجع". على مراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفرقة، بيان ذلك، أن يقال: إن الاستدلال به لا يتم؛ لأنه يحتمل ذلك ما قالوا، ويحتمل غير ذلك، بيانه أنه قد يجوز أن تكون الفرقة التي سمعها من النبي -عليه السلام- أشكلت عليه ولم يتحقق ما هي فاحتملت أن تكون الفرقة