ففيه دليل صريح على أن المشتري إذا قبض المبيع يحل له بيعه، ولا يتصور أن يحل له ذلك إلا إذا ملكه، وهذا يدل على أنه يملكه بالقبول من غير اشتراط التفرق بالأبدان، والقبض قد يكون قبل افتراق بدنه وبدن بائعه، ولا يلزم أن يكون بعد افتراقهما، فدل ذلك أن البيع يتم بالإيجاب والقبول من غير اشتراط التفرق بالأبدان.
وأن قوله -عليه السلام-: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" هو التفرق بالأقوال؛ وإلا يلزم التضاد بين الآثار. فافهم.
قوله:"حدثنا يونس ... " إلى آخره ذكره تأكيدًا لما قاله من أن المبيع يملكه المشتري بالقبول دون التفرق بالأبدان، وهو ظاهر.
وأخرجه عن طريقين فيهما عبد الله بن لهيعة الذي تكلم فيه ولكن لا يضره ذلك لأنه إنما يخرج له إما في المتابعات وإما في الشواهد على أنا قد ذكرنا غير مرة أن أحمد بن حنبل وثقه وأثنى عليه غاية الثناء، وحدث عنه بكثير.
الطريق الأول: عن يونس بن عبد الأعلى المصري شيخ مسلم، عن عبد الله بن وهب المصري، عن عبد الله بن لهيعة المصري، عن موسى بن وردان المصري القاضي، مولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح، مدني الأصل، قال العجلي: مصري تابعي ثقة. روى له البخاري في غير "الصحيح" واحتجت به الأربعة.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(١): ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، نا عبد الله بن لهيعة، حدثني موسى بن وردان، سمعت سعيد بن المسيب يقول:"سمعت عثمان ابن عفان -رضي الله عنه- وهو يخطب على المنبر: كنت ابتاع التمر من بطن من اليهود يقال لهم بنو قينقاع، وأبيعه بربح، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا عثمان إذا اشتريت فاكتل وإذا بعت فكل".