قال أبو جعفر -رحمه الله-: وهذا التأويل عندي فاسد، لأن الخيار المجعول في المصراة إنما هو خيار عيب، وخيار العيب لا تقطعه الفرقة، ألا ترى أن رجلاً لو اشترى عبدًا وقبضه وتفرقا، ثم رأى به عيبا بعد ذلك أن له رده على بائعه باتفاق المسلمين؟ ولا يقطع ذلك التفرق الذي روي عن رسول الله -عليه السلام- في الآثار المذكورة عنه في ذلك، فكذلك المبتاع للشاة المصراة إذا قبضها فاحتلبها، فعلم أنها على غير ما كان ظهر له منها، وكان ذلك لا يعلمه في احتلابه مرة ولا مرتين، جعلت له في ذلك هذه المدة -وهي ثلاثة أيام- ليحتلبها في ذلك، فيقف على حقيقة ما هي عليه، فإن كان باطنها كظاهرها فقد لزمته واستوفي ما اشترى، وإن كان ظاهرها بخلاف باطنها فقد ثبت العيب ووجب له ردها، فإن حلبها بعد الثلاثة الأيام فقد حلبها بعد علمه بعيبها، فذلك رضا منه بها، فلهذه العلة التي ذكرت وجب بها فساد التأويل الذي وصفت.
ش: هذا جواب عن أحاديث المصراة التي سبقت، أي ذهب هؤلاء الآخرون إلى أن الأحاديث التي تقدم ذكرها التي احتجت بها أهل المقالة الأولى منسوخة، ثم بين الطحاوي وجه هذا النسخ من ثلاثة أوجه:
الأول: عن محمد بن شجاع البغدادي الفقيه المشهور بابن الثلجي -بالثاء المثلثة- من أصحاب الحسن بن زياد اللؤلؤي صاحب المصنفات الكثيرة.
الثاني: عن عيسى بن أبان بن صدقة الفقيه، قاضي البصرة صاحب محمد بن الحسن الشيباني.
الثالث: هو اختيار نفسه علي ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى.
أما ما ذكره محمد بن شجاع فقد قال الطحاوي: أخبرني به أحمد بن أبي عمران موسى الفقيه البغدادي، أن الناسخ للأحاديث المذكورة: قوله -عليه السلام-: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" وقد ذكر ذلك الطحاوي بأسانيده ووجوهه فيما سبق في باب معقود لذلك، ووجه ما ذكره ابن شجاع ظاهر، ولكن الطحاوي أفسده، وهو أحرى بالفساد لما يظهر ذلك مما قاله الطحاوي.