قوله:"فلهذه العلة التي ذكرتُ" بضم التاء على أنه إخبار عن نفسه، وكذا قوله:"الذي وصف".
ص: وقال عيسى بن إبان: كان ما روي عن رسول الله -عليه السلام- من الحكم في المصراة بما في الآثار الأُول في وقت ما كانت العقوبات في الذنوب تؤخذ بها الأموال، فمن ذلك ما روي عن رسول الله -عليه السلام- في الزكاة:"أنه من أدى طائعا فله أجرها، وإلا أخذناها منه وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا -عز وجل-"، ومن ذلك ما روي عنه في حديث عمرو بن شعيب في سارق الثمرة التي لم تحرز:"أنه يضرب جلدات نكالا، ويغرم مثليها"، وقد ذكرنا ذلك بأسانيده في باب وطْء الرجل جارية امرأته، فأغنانا ذلك عن إعادة ذكرها ها هنا.
قال: فلما كان الحكم في أول الإسلام كان كذلك حتى نسخ الله -عز وجل- الربا فَرُدَّت الأشياء المأخوذة إلى أمثالها إن كانت لها أمثال، وإلى قيمتها إن كانت لا أمثال لها، وكان رسول الله -عليه السلام- نهى عن التصرية وروي عنه في ذلك.
فذكر ما حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا المسعودي، عن جابر الجعفي، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله -رضي الله عنه- قال: اشهد على الصادق المصدوق أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"إن بيع المحفلات خِلابة ولا تحل خِلابة مسلم" فكان من فعل ذلك وباع ما قد جعل بيعه إياه مخالفا لما أمر به رسول الله -عليه السلام-، وداخلا فيما نهى عنه، فكانت عقوبته في ذلك أن يجعل اللبن المحلوب في الأيام الثلاثة للمشتري بصاع من تمر، ولعله يساوي آصُعا كثيرة، ثم نسخت العقوبات في الأموال بالمعاصي، وردت الأشياء إلى ما ذكرنا، فلما كان ذلك كذلك، ووجب رد المصراة بعينها، وقد زايلها اللبن؛ علمنا أن ذلك اللبن الذي أخذه المشتري منها قد كان بعضه في ضرعها في وقت وقوع البيع عليها فهو في حكم المبيع، وبعضه حدث في ضرعها في ملك المشتري بعد وقوع البيع عليها فذلك للمشتري، فلما لم يكن رد اللبن بكماله على البائع إذ كان بعضه مما لم يملك ببيعه، ولم يمكن أن يجعل