للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: والذي قاله عيسى: من هذا يحتمل، غير أني رأيت في ذلك وجها، وهو أشبه عندي بنسخ هذا الحديث من غير هذا الوجه الذي ذهب إليه عيسى، وذلك أن لبن المصراة الذي احتلبه المشتري منها في الثلاثة الأيام التي احتلبها فيها قد كان بعض في ملك البائع قبل الشراء، وبعضه حدث في ملك المشتري بعد الشراء؛ لأنه قد احتلبها مرة بعد مرة، فكان ما كان في يد البائع من ذلك مبيعا، إذا وجب نقص البيع في الشاة [وجب نقض البيع فيه، وما حدث في يد المشتري من ذلك فإنما كان ملكه بسبب البيع أيضًا، وحكمه حكم الشاة] (١) لأنه من بدنها، هذا على مذهبنا، وكان النبي -عليه السلام- قد جعل لمشتري المصراة بعد ردها جميع لبنها الذي كان حلبه منها بالصاع التمر الذي أوجب عليه رده مع الشاة، وذلك اللبن حينئذ قد تلف أو تلف بعضه، فكان المشتري قد ملك لبنا دينا بصاع تمر ودين فدخل ذلك في بيع الدين بالدين، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الدين بالدين.

حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق، قالا: ثنا أبو عاصم -قال: أبو بكرة في حديثه قال: أنا موسى بن عبيدة، وقال ابن مرزوق في حديثه: عن موسى بن عبيدة الربذي، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أن النبي -عليه السلام- نهى عن بيع الكالئ بالكالئ" يعني الدين بالدين فنسخ ذلك ما كان تقدم منه مما روي عنه في المصراة، مما حكمه حكم الدين بالدين.

ش: هذا هو الوجه الثالث من وجوه النسخ التي ذكرناها، وهو الوجه الذي قاله الطحاوي من قوله واختاره على الوجهين الأولين، ملخص ذلك: أن حديث المصراة منسوخ بحديث النهي عن بيع الدين بالدين؛ وذلك لأن في المصراة على الوجه الذي ذكره الخصم بيع الدين بالدين، فيكون منسوخًا، وقد أوضح ذلك الطحاوي، فلا حاجة إلى تكراره.

ثم إنه أخرج حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- عن أبي بكرة بكار القاضي، وإبراهيم بن مرزوق، كلاهما عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد شيخ البخاري، عن


(١) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

<<  <  ج: ص:  >  >>