ذاته على ما كان عند العقد؛ لأن الزيادة حصلت بجهة محظورة، فأوجبت خبثا فيها، فكان سبيلها التصدق، فإن استأجر المشتري من البائع الشجر للترك إلى وقت الإدراك، طاب له الفضل لأن الترك حصل بإذن البائع، ولكن لا تجب الأجرة؛ لأن هذه الإجارة باطلة؛ لأن جوازها ثبت على مخالفة القياس، لتعامل الناس، فما لم يتعاملوا فيه لا تصح فيه الإجارة، ولهذا لم تصح إجارة للأشجار لتجفيف الثياب، وإجارة الأوتاد لتعليق الأشياء عليها، وإجارة الكتب للقراءة، ونحو ذلك حتى لم تجب الأجرة.
ولو أخرجت الشجرة في مدة الترك ثمرة أخرى فهي للبائع سواء كان الترك بإذنه أو بغير إذنه، لأنه نماء ملك البائع فيكون له، ولو حللها له الباع جاز أن اختلط الحادث بعد العقد بالوجود عنده حتى لا يعرف بنظر، إن كان قبل التخلية بطل البيع؛ لأن المبيع صار معجوز التسليم بالاختلاط، للجهالة وتعذر التمييز، فأشبه العجز عن التسليم بالهلاك.
وإن كان بعد التخلية لم يبطل؛ لأن التخلية قبض، وحكم البيع يتم ويتناهى بالقبض، والثمرة تكون بينهما لاختلاط ملك أحدهما بالآخرة اختلاطا لا يمكن التميز بينهما، فكان الكل مشتركا بينهما، والقول قول المشتري في المقدار؛ لأنه صاحب يد لوجود التخلية، فكان الظاهر شاهدًا له فكان القول قوله، ولو اشترى ثمرة بدا صلاح بعضها دون بعض بأن أدرك البعض دون البعض بشرط الترك، فالبيع فاسد على أصلهما وأما على أصل محمد -رحمه الله-: فهو اختيار العادة، فإن كان صلاح المتأخر متقاربا جاز؛ لأن العادة في الثمار أن لا يدرك الكل دفعة واحدة، بل يتقدم إدراك البعض على البعض، يلحق بعضها بعضا، فصار كأنه اشتراها بعد إدراك الكل، ولو كان كذلك يصح الشراء عنده بشرط الترك، فكذا هذا.
وإن كان يتأخر إدراك البعض عن البعض تأخرًا فاحشًا كالعنب ونحوه؛ يجوز البيع فيما أدرك، ولا يجوز فيما لم يدرك، والله أعلم.