للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحْرجه الترمذي (١): قال: ثنا محمد بن رافع، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أنا معمر، عن يحيى بن أبي كثير ... إلى آخره نحوه.

وقال: حديث رافع حديث حسن صحيح.

وفيه: أن كسب الحجام خبيث، ولكنه محمول على أن المراد منه التنزه عن كسبه؛ لأنها من الصنائع المستقذرة الذميمة، والشرع يحض على مكارم الأخلاق والتنزه عن الدناءة، والدليل على ذلك:

ما رواه مسلم (٢): عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "حجم النبي -عليه السلام- عبد لبني بياضة، فأعطاه النبي -عليه السلام- أجره، وكلم سيده فخفف عنه ضريبته، ولو كان سحتًا لم يعطه".

وقد ذهب بعض الناس إلى منع ذلك في الأحرار، واستعمل الحديث فيمن وقع على صفة ما وقع عليه، وأظنهم يجيزونه في العبد ليعلف به نواضحه ورقيقه.

وفي الترمذي (٣): "أنه -عليه السلام- استؤذن في إجارة الحجام فنهى الذي استأذنه عنها، فلم يزل يستأذنه ويسأله حتى قال: اعلفه ناضحك ورقيقك".

قال القاضي: كذا قال أحمد بن حنبل وفقهاء أصحاب الحديث كما أشار إليه أنه محرم على الأحرار مباح للعبيد أخذًا بظاهر الحديث الذي ذكره من قوله: "اعلفه ناضحك ورقيقك"، وعامة الفقهاء على خلاف قولهم، وأنه جائز أكله، وحملوا الحديث على التنزيه والحض على مكارم الأخلاق؛ إذ لا يجوز للرجل أن يطعم عبيده ما لا يحل أكله، وجعلوا أن إباحته هذه ناسخة لقوله: "كسب الحجام خبيث" والخبيث: الحرام، وأنه آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ألا تراه في حديث "الموطأ" (٤) والترمذي (٥) نهاه أولاً فلم يزل يسأله حتى أباح له إطعامه لناضحه


(١) "جامع الترمذي" (٣/ ٥٧٤ رقم ١٢٧٥).
(٢) "صحيح مسلم" (٣/ ١٢٠٤ رقم ١٢٠٢).
(٣) "جامع الترمذي" (٣/ ٥٧٥ رقم ١٢٧٧).
(٤) "الموطأ" (٢/ ٩٧٤ رقم ١٧٥٦).
(٥) "جامع الترمذي" (٣/ ٥٧٥ رقم ١٢٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>