للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقوله: {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} (١) جائز أن يريد به ما استطبتموه واستلذذتموه ما لا ضرر عليكم في تناوله من طريق الدين، فرجع ذلك إلى معنى الحلال الذي لا تبعة على متناوله، وجائز أن يحتج بظاهره في إباحة جميع الأشياء المستلذة إلا ما خصه الدليل.

ثم إنهم لما سألوا عما أُحَّل من الكلاب التي أمروا بقتلها أنزل الله تعالى هذه الآية، وليس يمتنع أن تكون الآية منتظمة لإباحة الانتفاع بالكلاب وبصيدها وحقيقة اللفظ يقتضي الكلاب أنفسها؛ لأن قوله: {وَمَا عَلَّمْتُمْ} (١) يوجب إباحة ما عَلَّمْنا، وإضمار الصيد يحتاج إلى دلالة.

وفي فحوى الآية دليل على إباحة صيدها وهو قوله: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} فحمل هذه الآية على المعنيين واستعمالها فيهما على الفائدتين أولى من الاقتصار على أحدهما.

وقد دلت الآية أيضًا على أن شرط إباحة الجوارح: أن تكون معلمة؛ لقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} وقوله تعالى: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ}.

وأما الجوارح فإنه قد قيل: إنها الكواسب للصيد على أهلها من الكلاب وسباع الطير التي تصيد غيرها، واحدها: جارح ومنه سميت الجارحة؛ لأنه يكتسب بها، قال الله تعالى: {مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} (٢) يعني ما كسبتم، ومنه {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} (٣)، وذلك يدل على جواز الاصطياد بكل ما عُلِّم الاصطياد من سائر ذوي الناب من السباع وذي المخلب من الطير، وقيل: الجوارح ما يجرح بناب أو مخلب.


(١) سورة المائدة، آية: [٤].
(٢) سورة الأنعام، آية: [٦٠].
(٣) سورة الجاثية، آية: [٢١].

<<  <  ج: ص:  >  >>