وقال الثوري وأبو حنيفة والحسن بن حيّ: لا يجوز بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً؛ اختلف أو لم يختلف، وحجتهم: ما خرَّج أبو داود (١): "أن النبي -عليه السلام- نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة"، وقاله محمد بن الحنفية وعكرمة.
وقال الحسن: إذا اختلفا فلا بأس به إلى أجلٍ، يقول: الغنم بالبقر، والبقر بالإبل، ولا خلاف في جواز بيع الحيوان بالحيوان متماثلاً يدًا بيدٍ.
ص: فقال أهل المقالة الأولى: هذا لا يلزمنا؛ لأنا قد رأينا الحنطة لا يباع بعضها ببعض نسيئةً وقرضها جائز، فكذلك الحيوان لا يجوز بيع بعضه ببعضٍ نسيئةً وقرضه جائز، فكان من حجتنا على أهل هذه المقالة في تثبيت المقالة الأولى: نَهْيُ النبي -عليه السلام- عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً يحتمل أن يكون ذلك لعدم الوقوف منه على المثل، ويحتمل أن يكون من قِبَل ما قال أهل المقالة الأولى في الحنطة في البيع والقرض، فإن كان إنما نهى عن ذلك عن طريق عدم وجود المثل؛ ثبت ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية.
وإن كان من قِبل أنهما نوع واحد لا يجوز بيع بعضه ببعض نسيئةً لم يكن في ذلك حجة لأهل المقالة الثانية على أهل المقالة الأولى.
فاعتبرنا ذلك، فرأينا الأشياء المكيلات لا يجوز بيع بعضها ببعض نسيئة، ولا بأس بقرضها، ورأينا الموزونات حكمها في ذلك كحكم المكيلات سواء خَلاَ الذهب والورِق، ورأينا ما كان من غير المكيلات والموزونات مثل الثياب وما أشبهها فلا بأس ببيع بعضها ببعض وإن كانت متفاضلة، وبيع بعضها ببعض نسيئةً فيه اختلاف بين الناس، فمنهم من يقول: ما كان منها من نوع واحد فلا يصلح بيع بعضه ببعض نسيئةً، وما كان منها من نوعين مختلفين فلا بأس ببيع بعضه ببعض نسيئة، وممن قال بهذا القول: أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد -رحمهم الله-.