الإسلام ويتخلى عنه، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا نعيم بن حماد، قال: ثنا مروان بن معاوية، قال: ثنا أبو مالك سعد بن طارق بن أشيم، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله ويتركوا ما يعبدون من دون الله، فإذا فعلوا ذلك حرمت عليّ دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عبد الله بن بكر، قال: ثنا بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال:"قلت: يا رسول الله، ما آية الإِسلام؟ قال: أن تقول: أسلمتُ وجهي لله وتخليت، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتفارق المشركين إلى المسلمين".
فلما كان جواب رسول الله -عليه السلام- لمعاوية بن حيدة لما سأله عن آية الإِسلام أن يقول:"أسلمت وجهي لله وتخليت، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة وتفارق المشركين إلى المسلمين"، وكان التخلي هو ترك كل الأديان إلى الله -عز وجل-، ثبت بذلك أن من لم يتخل مما سوى الإِسلام لم يُعلم بذلك دخوله في الإِسلام.
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.
ش: أي قد روي عن أنس بن مالك ما يدل على ما ذكرنا من أن الإِسلام لا يكون إلا بالمعاني التي يدل على الدخول في الإِسلام وترك سائر الملل؛ لأنه صرَّح في حديثه أن القتال لا يُكَف إلا عمن يأتي بالشهادتين، ويصلي صلاة المسلمين، ويسقبل قبلتهم، ويأكل ذبيحتهم، فهذا لا يكون إلا إذا تبرأ من سائر الملل سوى ملة الإِسلام.
ودلّ هذا أيضًا على أن المراد من الحديث الأول الذي فيه الكف عن قتال من قال: لا إله إلا الله لا غير من المشركين: هو أن يتُرك قتاله إلى أن يعلم ما أراد به هذا القائل من قوله هذا، أراد به الإِسلام أو غيره؟ فبهذا يحصل التوفيق بين أحاديث هذا الباب ولا تتضاد معانيها، فإذا كان الأمر كذلك فلا يحكم بإسلام الكافر حتى يتلفظ بالشهادتين ويجحد كل دين سوى دين الإِسلام على ما صرَّح به في حديث طارق بن أشيم ومعاوية بن حيدة -رضي الله عنهما-.