للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخرجه بعين هذا الإسناد في الباب الذي قبله، ولكن متن الحديث هناك "كان رسول الله -عليه السلام- إذا بعث سرية قال لهم: لا تقتلوا وليدًا ولا امرأة"، ومتنه ها هنا: "إذا بعث سرية قال: لا تقتلوا شيخًا كبيرًا"، والظاهر أن هذا من تتمة ذاك.

ثم وجه التوفيق بينه وبين حديث دريد بن الصمة: أن ما وقع في حديث دريد محمول على قتل الشيوخ الذين لا رأي لهم ولا تدبير في أمور الحرب، فبهذا المعنى يرتفع التضاد بين هذه الأحاديث.

فإذا كان الأمر كذلك يقتل الشيخ الذي له رأي في أمور الحرب، وتقتل المرأة التي لها رأي أو كانت ممن يقاتل، والذي لا رأي له ولا يقاتل لا يقتل كالصبي والمجنون وأصحاب الصوامع، فإنهم أيضًا لا يقاتلون، والناس من جهتهم آمنون، وعن هذا قال الثوري: لا يقتل الشيخ ولا المرأة ولا المقعد ولا الطفل.

وقال الأوزاعي: لا يقتل الحراث ولا الزراع ولا الشيخ الكبير ولا المجنون ولا الراهب ولا المرأة.

ثم إن من قاتل من هؤلاء قتُل لا محالة، وعليه جمهور الفقهاء. وممن رأى ذلك: الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور.

واختلفوا في قتل النساء والصبيان إذا قاتلوا، فالجمهور على أنهم إذا قاتلوا قتُلوا.

فإن قيل: أخرج أبو داود (١) والترمذي (٢): من حديث سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم"، فإنه عام يتناول الشيخ الكبير الذي له رأي والذي لا رأي له.

قلت: هو أيضًا محمول على الشيوخ الذين لهم رأي وتدبير في أمور الحرب؛ فإن الرأي الذي يحصل من الشيخ الكبير أشدُّ في الحرب من القتال، ويقال: أراد بالشيوخ البالغين؛ بدليل ذكر الشرح في مقابلتهم، فإن المراد من الشرح الصغار الذين لم يدركوا، فصار تأويل الخبر: اقتلوا البالغين واستبقوا الصبيان.


(١) "سنن أبي داود" (٣/ ٥٤ رقم ٢٦٧٠).
(٢) "جامع الترمذي" (٤/ ١٤٥ رقم ١٥٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>