ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: ليس للإمام أن ينفل بعد إحراز الغنيمة إلا من الخمس، فأما من غير الخمس فلا؛ لأن ذلك قد ملكته المقاتلة، فلا سبيل للإمام عليه، وقالوا: قد يحتمل أن يكون ما كان للنبي -عليه السلام- ينفله في الرجعة هو ثلث الخمس بعد الربع الذي كان نفله في البدأة فلا يخرج مما قلنا.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: النخعي والثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا -رحمهم الله-، فإنهم قالوا: لا يجوز التنفيل بعد إحراز الغنيمة إلا من الخمس.
وقال الجصاص: قال أصحابنا والثوري: لا نفل بعد إحراز الغنيمة، إنما النفل أن يقول: من قتل قتيلاً فله سلبه، ومن أصاب شيئًا فهو له.
وقال الأوزاعي: في رسول الله -عليه السلام- أسوةٌ حسنة؛ كان ينفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث.
وقال مالك والشافعي في جواز النفل بعد إحراز الغنيمة نحو أن يقول: من أخذ شيئًا فهو له، ومن قتل قتيلاً فله سلبه.
قوله:"وقالوا: قد يحتمل. . ." إلى آخره، جواب عما احتج به أهل المقالة الأولى من حديث حبيب بن سلمة.
بيانه أن يقال: استدلالكم بالحديث المذكور غير تام.
لأنه يحتمل أن يكون تنفيل النبي -عليه السلام- في الرجعة هو ثلث الخمس بعد الربع الذي كان نفله في ابتداء الغزو، فحينذٍ يكون الحديث حجة لنا حيث يكون التنفيل بالثلث من الخمس لا من غير الخمس.
وقال الجصاص في تأويل الحديث المذكور: ومعلوم أن ذلك ليس بلفظ عموم في سائر الغنائم وإنما هي حكاية فعل النبي في شيء بعينه، ولم يبين كيفيته، وجائز أن يكون معناه ما ذكره من قوله للسرية في الرجعة:"وجعل لهم في الرجعة أكثر مما جعله لها في البدأة". لأن في الرجعة يحتاج إلى حفظ الغنيمة وإحرازها، ويكون من