فثبت بذلك أن رسول الله -عليه السلام- لم يكن قسم خيبر بكمالها, ولكنه قسم طائفة منها على ما احتج به عمر -رضي الله عنه- في الحديث الأول، وترك طائفة منها فلم يقسمها على ما روي عن ابن عباس وابن عمر وجابر -رضي الله عنهم- في هذه الآثار الأُخَر، والذي كان قسم منها هو الشق والنطاة، وترك سائرها، فعلمنا بذلك أنه قسم وله أن يقسم، وترك وله أن يترك.
فثبت بذلك أن هكذا حكم الأرضين المفتتحة؛ للإِمام قسمها إن رأى ذلك صلاحًا للمسلمين كما قسم رسول الله -عليه السلام- ما قسم من خيبر، وله تركها إن رأى في ذلك صلاحًا للمسلمين أيضًا كما ترك رسول الله -عليه السلام- ما ترك من خيبر، يفعل ذلك ما رأى على التحري منه لصلاح المسلمين، وقد فعل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في أرض السواد مثل ذلك أيضًا فتركها للمسلمين أرض خراج لينتفع بها من يجيء من بعده منهم كما ينتفع بها من كان في عصره من المسلمين.
ش: أي وكان من الدليل والبرهان لهؤلاء الجماعة الآخرين فيما ذهبوا إليه: ما قد روي عنه -عليه السلام- من الأحاديث، وأخرج في ذلك عن ثلاثة من الصحابة وهم: ابن عباس وابن عمر وجابر -رضي الله عنهم-.
أما حديث ابن عباس: فأخرجه عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي، عن أسد بن موسى، عن يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة، عن الحجاج بن أرطاة النخعي -فيه مقال- عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم بن بجرة مولى ابن عباس، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(١): ثنا سريج بن النعمان، ثنا هشيم، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس:"أن رسول الله -عليه السلام- دفع خيبر أرضها ونخلها مقاسمة على النصف".
قوله:"بالشطر" أي بالنصف، ورواية أحمد فسرت رواية الطحاوي.