ص: فإن قال قائل: قد يجوز أن يكون عمر -رضي الله عنه- لم يفعل في السواد ما فعل من ذلك من جهة ما قلتم، ولكن لأن المسلمين جميعًا رضوا بذلك، والدليل على أنهم قد رضوا بذلك أنه جعل الجزية على رقابهم، فلم يخلُ ذلك من أحد وجهين:
إما أن يكون جعلها ضريبة للمسلمين لأنهم عبيد لهم.
أو أن يكون جعل ذلك عليهم كما يجعل الجزية على الأحرار؛ لتحقن بذلك دماؤهم.
فرأيناه قد أهمل نساءهم ومشايخهم وأهل الزمانة منهم وصبيانهم، وإن كانوا قادرين على الأكتساب أكثر مما يقدر عليه بعض البالغين، فلم يجعل على أحد مما ذكرنا شيئًا من ذلك، فدلّ ما بقي من ذلك أن ما أوجب ليس لعلة الملك، ولكنه لعلة الذمة، وقبل ذلك جميعُ من افتتح تلك الأرض، فكان أخذهم ذلك منه دليلاً على إجازتهم لما كان عمر -رضي الله عنه- فعل من ذلك.
ثم رأيناه وضع على الأرض شيئًا مختلفًا، فوضع على جريب الكرم شيئًا معلومًا، ووضع على جريب الحنطة شيئًا معلومًا، وأهمل النخل فلم ياخد منها شيئًا. فلم يخل ذلك من أحد وجهين:
إما أن يكون يملك به القوم الذين قد ثبتت جزيتهم ثمار أراضيهم والأرض ملك المسلمين، أو يكون جعل ذلك عليهم كما جعل الخراج على رقابهم، ولا يجوز أن يكون الخراج يجب إلا فيما ملكه بغير أخد الخراج.
فإن حملنا ذلك على التمليك من عمر -رضي الله عنه- إياهم ثمر النخل والكرم بما جعل عليهم مما ذكرنا، جُعِلَ فعله ذلك قد دخل فيما قد نهى عنه رسول الله -عليه السلام- من بيع السنين ومن بيع ما ليس عندك، فاستحال أن يكون الأمر على ذلك.
ولكن الأمر عندنا على أن تمليكه لهم الأرض التي أوجب هذا عليهم فيما تقدم على أن يكون ملكهم لذلك ملكًا خراجيًا هذا حكمه فيما يجب عليهم فيه، وقَبِلَ