ص: قال أبو يوسف: قد بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما احتج به الأوزاعي، ولحديث رسول الله -عليه السلام- معان ووجوه وتفسير لا يفهمه ولا يبصره إلا من أعانه الله عليه، فهذا الحديث عندنا على من يفعل ذلك وهو عنه غني يبقي بذلك على دابته وعلى ثوبه، أو يأخذ ذلك يريد الخيانة، فأما رجل مسلم في دار الحرب ليس معه دابة وليس مع المسلمين فضل يحملونه إلا دواب الغنيمة ولا يستطيع أن يمشي فإن هذا لا يحل للمسلمين تركه، ولا بأس أن يركب هذا شاءوا أو كرهوا، وكللك هذه الحال في الثياب، وكذلك هذه الحال في السلاح، وبحال السلاح أبين وأوضح.
ش: أشار بهذا الكلام إلى رد ما قاله الأوزاعي ومن معه، وإلى بيان مجمل الحديث الذي احتجوا به وهو حديث رويفع بن ثابت على وجه يقع التوفيق بينه وبين حديث عبد الله بن أبي أوفى الآتي ذكره عن قريب إن شاء الله تعالى.
بيانه: أن حديث رويفع بن ثابت ليس على إطلاقه؛ حتى لا يعارضه حديث ابن أبي أوفى، وإنما هو محمول على من يستعمل السلاح وهو غني، أو يستعمله على وجه الخيانة، والباقي ظاهر.
قوله:"وكذلك هذه الحال" أراد به حال من يستعمل الدابة، يعني يجري حكم هذا في الثياب والسلاح أيضًا، "وبحال السلاح أبين" أي أظهر لشدة الاحتياج إليه.
وفي "البدائع": لا بأس بالانتفاع بالمأكول والمشروب والعلف والحطب من الغنيمة قبل الإحراز بدار الإِسلام فقيرًا كان المنتفع أو غنيًّا؛ لعموم الحاجة إلى الانتفاع بذلك في حق الكل. وأما ما سوى المأكول والمشروب والعلف والحطب فلا ينبغي أن ينتفعوا به؛ لأن حق الغانمين متعلق به، وفي الانتفاع إبطال حقهم، إلا أنه إذا احتاج إلى استعمال شيء من السلاح أو الدواب أو الثياب فلا بأس باستعماله، فإن انقطع سيفه فلا بأس أن يأخذ سيفًا من الغنيمة فيقاتل به، لكنه إذا ستغنى عنه ردَّه إلى الغنيمة، وكذا إذا احتاج إلى ركوب فرس أو لبس ثوب إذا دفع حاجته رده إلى المغنم.
ص: ألا ترى أن قومًا من المسلمين لو تكسرت سيوفهم أو ذهبت، ولهم غنى