فنظرنا في ذلك فوجدنا العدة الطارئة على النكاح لا تجب بها فرقة في حال وجوبها ولا بعد ذلك، ووجدنا الرضاع تجب به الفرقة في حال وقوعه وكونه، ولا ينتظر به شيء بعده.
ثم الإِسلام الطارئ على النكاح كلٌّ قد أجمع أن الفرقة تجب به، غير أنهم اختلفوا في وقتها:
فقالت طائفة: تجب في وقت إسلام المرأة.
وقال آخرون: لا تجب حتى يعرض على الزوج الإِسلام فيأبى، فيفرق بينهما.
وقال آخرون: هي امرأته ما لم يخرجها من أرض الهجرة.
فثبت أن حكم إسلامها الطارئ للفرقة كحكم الرضاع أشبه منه بحكم العدة، فإذا كان كذلك تجب به الفرقة ساعة يكون، ولا ينتظر به خروج المرأة من عدتها.
فهذا وجه النظر والقياس: أن المرأة تَبين من زوجها بإسلامها سواء كانت في دار الإِسلام أو في دار الحرب، ولكن أصحابنا خالفوا هذا، حيث قالوا في الحربية إذا أسلمت في دار الحرب وزوجها كافر: إنها امرأته ما لم تحض ثلاث حيض أو تخرج إلى دار الإِسلام، والذمية إذا أسلمت في دار الإِسلام فهي امرأته حتى يعرض القاضي على زوجها الإِسلام، فإن أسلم بقيا على نكاحهما ولا يفرق بينهما.
وكان النظر في الفصلين جميعًا أن تَبين من زوجها ساعة أسلمت لما ذكرنا، غير أنهم تركوا هذا، وقلدوا في ذلك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الذي أخرجه الطحاوي من طريقين:
الأول: عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقي، عن أبي معاوية الضرير محمد بن خازم، عن أبي إسحاق الشيباني سليمان بن فيروز، عن السفاح بن مطر الشيباني، عن داود بن كردوس التغلبي الكوفي، عن عمر بن الخطاب.