وتأخذون سابقة الحاج وقد أسلمت؟! فقال رسول الله -عليه السلام-: لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح، فقال رسول الله -عليه السلام-: أُخذت بجريرة حلفائك -وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب النبي -عليه السلام-- ورسول الله -عليه السلام- على حمارٍ، عليه قطيفة، فقال: يا محمد إني جائع فأطعمني وظمآن فاسقني، فقال رسول الله -عليه السلام-: هذه حاجتك، ثم إن الرجل فدي برجلين، وحبس رسول الله -عليه السلام- العضباء لرحله".
فهذا حديث مفسر قد أخبر فيه عمران بن حصين أن النبي -عليه السلام- فادى بذلك المأسور بعد أن أقر بالإِسلام، وقد أجمعوا أن ذلك منسوخ، وأنه ليس للإِمام أن يفدي من أسر من المسلمين بمن في يده من أسراء أهل الحرب الذين قد أسلموا، وأن قول الله -عز وجل-: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ}(١) قد نسخ أن يرد أحد أي العبيد من أهل الإِسلام، فلما ثبت ذلك وثبت أن لا يرد إلى الكفار من جاءنا منهم، وثبت أن الذمة تحرم ما يحرم الإِسلام من دماء أهلها وأموالهم، وأنه يجيب علينا منع أهلها من نقضها والرجوع إلى دار الحرب كما نمنع المسلمين من نقض إسلامهم والخروج إلى دار الحرب على ذلك، وكان مَنْ أصبنا من أهل الحرب فملكناه صار بملكنا إياه ذمةً لنا, ولو أعتقناه لم يعد حربيًّا بعد ذلك، وكان لنا أخذه بأداء الجزية إلينا كما نأخذ سائر ذمتنا، وعلينا حفظه مما نحفظهم منه، وكان حرامًا علينا أن نفادي بعبيدنا الكفار الذين قد ولدوا في دارنا لما قد صار لهم من الذمة.
فالنظر على ذلك: أن يكون كذلك الحربي إذا أسرناه فصار ذمةً لنا ووقع ملكنا عليه أن تحرم علينا المفاداة به ورده إلى أيدي المشركين، وهذا قول أبي حنيفة -رضي الله عنه-.
ش: أي: فمن الذي بيَّن أن ذلك أي الفداء المذكور في الآثار المذكورة التي احتجت بها أهل المقالة الأولى كذلك، أي كما قلنا: إنه كان في وقت كان لا بأس أن يفادى فيه بمن أسلم من أهل الحرب. . . إلى آخر ما ذكره.