ارتفع عن دمه وصار دمه مباحًا، وماله محظور في حال الردة بالحظر المتقدم، وقد رأينا الحربيين حكم دمائهم وأموالهم سواء قتلوا أو لم يقتلوا، فلم يكن الذي يحل به أموالهم هو القتل، بل كان الكفر، وكان المرتد لا يحل ماله بكفره، فلما ثبت أن ماله لا يحل بكفره؛ ثبت أنه لا يحل بقتله.
وقد رأينا أموال الحربيين تحل بالغنائم فتملك بها، ورأينا ما هو من أموالهم في دارنا ملكناه عليهم وغنمناه بالدار وإن لم نقتلهم، فلمَّا كان مال المرتد غير مغنوم بِرِدته؛ كان في النظر أيضًا غير مغنوم بسفك دمه.
فلما ثبت أن ماله لا يدخل في حكم الغنائم لم يخل من أحد وجهين: إما أن يرثه ورثته الذين يرثونه لو مات على الإِسلام، أو يصير للمسلمين، فإن صار لورثته من المسلمين فهو ما قلنا، وإن صار لجميع المسلمين فقد ورث المسلمون مرتدًّا.
فلما كان المرتد في حال ما يرثه المسلمون ولم يخرج بِرِدَّته من ذلك، كان الذين يرثونه هم ورثته الذين كانوا يرثونه لو مات على الإِسلام لا غيرهم.
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.
ش: أي: وفي توريث المسلمين عن المرتد برهان آخر من طريق النظر والقياس، بيانه: أن المرتد قبل الرِّدة محظور الدم والمال بالإجماع، فإذا ارتد ارتفع الحظر عن دمه بالإجماع، ولكن ماله على ذلك الحظر المتقدم، فإذا لم يحل ماله بكفره لا يحل بقتله، بخلاف الحربي فإن حكم دمه وماله سواء؛ قتل أو لم يقتل، فإذا لم يحل ماله بقتله لا يدخل في حكم الغنائم، فإذا لم يدخل في ذلك لا يخلو إما أن يرثه ورثته المسلمون، أو يصير فيئًا للمسلمين:
فإن كان الأول فقد ثبت ما قلنا من أن مال المرتد لورثته المسلمين.
وإن كان الثاني فقد ورث المسلمون مرتدًّا، فلما كان المرتد في حال ما يرثه المسلمون ولم يخرج بِرِدَّته من ذلك؛ كان الذين يرثونه هم ورثته الذين كانوا يرثونه لو مات هو على الإِسلام لا غيرهم.