ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فذهب ذاهبون إلى أن من أحيى أرضًا ميتةً فهي له؛ أذن له الإِمام في ذلك أو لم يأذن، أو جعلها له الإِمام أو لم يجعلها له، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار.
وممن ذهب إلى ذلك: أبو يوسف ومحمد بن الحسن -رحمهما الله-، وقالوا: لما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أحيى أرضًا ميتةً فهي له" فقد جعل حكم إحياء ذلك إلى من أحب بلا أمر، وقالوا: قد دلَّت على هذه أيضًا شواهد النظر، ألا ترى أن الماء الذي في البحار والأنهار من أخذ منه مَلَكَهُ بأخذه إياه وإن لم يأمر، الإِمام بأخذه ويجعله له، وكذلك الصيد من صاده فهو له، ولا يحتاج في ذلك إلى إباحة من الإِمام ولا إلى تمليك، والإِمام في ذلك وسائر الناس سواء.
قالوا: فكذلك الأرض الميتة التي لا ملك لأحد عليها فهي كالطير الذي ليس بمملوك وكالماء الذي ليس بمملوك، فمن أخذ من ذلك شيئًا فهو له بأخذه إياه، ولا يحتاج في ذلك إلى أمر الإِمام ولا إلى تمليكه كما لا يحتاج إلى ذلك منه في الماء والصيد اللذين ذكرنا.
ش: أراد بهؤلاء الذاهبين: عبيد الله بن الحسن والشافعي وأحمد وأبا ثور والظاهرية؛ فإنهم قالوا: من أحيى أرض ميتة فهي له، ولا يشترط فيه إذن الإِمام. وبه قال: أبو يوسف ومحمد.
وقال ابن حزم (١): كل أرض لا مالك لها ولا يعرف أنها عُمرت في الإِسلام فهي لمن سبق إليها، سواء بإذن الإِمام فعل ذلك أو بغير إذنه، لا إذن في ذلك للإِمام ولا للأمير، ولو أنه بين الدورفي الأمصار، ولا لأحد أن يحمي شيئًا من الأرض عمن سبق إليها بعد رسول الله -عليه السلام-، فلو أن الإِمام أقطع إنسانًا شيئًا لم يصر له ذلك ولم يكن له أن يحميه ممن سبق إليه، فإن كان إحياؤه لذلك مضرًّا لأهل القرية ضررًا ظاهرًا لم يكن لأحد أن ينفرد لا بإقطاع الإِمام ولا بغيره، كالملح الظاهر والماء الظاهر والمراح ورحبة السوق والطريق والمصلى ونحو ذلك.