قوله:"وقالوا. . ." إلى آخره. أي قال هؤلاء الذاهبون، وأراد به بيان وجه جواز إحياء الأرض الميتة بلا إذن الإِمام، وهو ظاهر.
وقال الخطابي: إحياء الموات إنما يكون بحفره وتحجيره وبإجراء الماء إليها ونحوها من وجوه العمارة، فمن فعل ذلك فقد ملك به الأرض، سواء كان بإذن الإِمام أو يغير إذنه؛ وذلك لأن قوله:"من أحيى أرضًا" كلمة شرط وجزاء فهو غير مقصور على عين دون عين ولا على زمان دون آخر، وإلى هذا ذهب الأكثر.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون؛ منهم أبو حنيفة، فقالوا: لا تكون الأرض للذي يحييها إلا بأمر الإِمام له في ذلك وجعلها له، وقالوا: ليس ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما ذكرنا في هذا الباب يدافع ما قلنا؛ لأن ذلك الإحياء الذي جعل به رسول الله -عليه السلام- الأرض التى أحياها في هذا الحديث لم يفسر لنا ما هو، فقد يجوز أن يكون هو ما فعل من ذلك بأمر الإِمام، فيكون قوله:"من أحيى أرضًا ميتة فهي له" أي من أحياها على شرائط الإحياء فهي له، ومن شرائطه تحظيرها وإذن الإمام له فيها وتمليكه إياها، فقد يجوز أن يكون هذا هو معنى هذا الحديث، ويجوز أن يكون على ما تأوَّله أبو يوسف ومحمد إلا أنه لا يجوز أن يقطع على رسول الله -عليه السلام- بالقول أنه أراد معنى إلا بالتوقيف منه أو بإجماعٍ ممن بعده أنه أراد ذلك المعنى.
فنظرنا إذْ لم نجد في هذا الحديث حجة لأحد الفريقين في غيره من الأحاديث، هل فيها ما يدل على شيء من ذلك؟ فإذا يونس قد حدثنا، قال: أنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، عن الصعب ابن جثامة، قال: سمعت رسول الله -عليه السلام- يقول:"لا حمى إلا لله ولرسوله".
حدثنا يزيد وابن أبي داود، قالا: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن الصعب بن جثامة:"أن رسول الله -عليه السلام- حرم النقيع، وقال: لا حمى إلا لله ورسوله".