حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا علي بن عياش، قال: ثنا شعيب بن أبي حمزة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "لا حمى إلا لله ولرسوله".
فلما قال رسول الله -عليه السلام-: "لا حمى إلا لله ولرسوله" -والحمى: ما حمي من الأرض- دلَّ ذلك أن حكم الأرضين إلى الأئمة لا إلى غيرهم، وأن حكم ذلك غير حكم الصيد، وقد بيَّنا ما يحتمل الخبر الأول، فكان أولى الأشياء بنا أن نحمل وجهه على ما لا يخالف هذا الأثر الثاني.
ش: أي خالف أولئك الذاهبين المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: مكحولًا الشامي ومحمد بن سيرين وابن المسيب والنخعي؛ فإنهم قالوا: من أحيى مواتًا لا يكون له إلا بإذن الإِمام له فيه. وبه قال أبو حنيفة.
ومذهب مالك على التفصيل، فقال: أما ما يتشاحّ الناس فيه مما يقرب من العمران فإنه لا يكون لأحد إلا بقطيعة الإِمام، وأما ما كان في الصحاري وغير العمران فهو لمن أحياه، فإن تركه، عاد كما كان فقد صار أيضًا لمن أحياه وسقط ملكه عنه.
وهكذا قال في الصيد يتملك ثم يتوحش فإنه لمن أخذه، فإن كان في أذنه شنف (١) أو نحو ذلك فالشنف للذي كان له والصيد لمن أخذه. وقال الحسن بن حي: ليس الموات إلا في أرض العرب فقط.
قوله:"وقالوا: ليس فيما روي. . ." إلى آخره، جواب عن الأحاديث المذكورة التي احتجت بها أهل المقالة الأولى، فيما ذهبوا إليه، بيانه: أن الاستدلال لا يتم بها؛ لأن معناها يحتمل ما قال هؤلاء، ويحتمل أن يكون معناها بأمر الإِمام، فإذا كان كذلك لا يكون فيها حجة لأحد الفريقين؛ لأن القطع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقول:
(١) والشَّنْف: الذي يلبس في أعلى الأُذُن -بفتح الشين- ولا تقل: شُنْف، والذي يلبس في أسفلها: القُرْط، وقيل: الشَّنْف، والقُرْطُ سواء. انظر "لسان العرب": (شنف).