للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "عن كل ذي ناب" الناب: واحد الأنياب، وهو ما يلي الرباعيات من الأسنان، و"ذو الناب من السباع" مثل: الأسد والنمر والدب والذئب والضبع والثعلب، وما أشبه ذلك.

و"ذو المخلب من الطير" مثل: الصقر والبازي والعقاب والحداءة، ونحوها.

فكل واحد من النوعين يحرم أكله بهذا النص، والنهي الذي فيه: نهي التحريم.

قال أبو عمر (١): كل خبر جاء عن النبي -عليه السلام- فيه نهي فالواجب استعماله على التحريم إلا أن يأتي معه أو في غيره دليل يبين المراد منه أنه ندب وأدب، وما أعلم أحدًا من العلماء جعل النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع من باب الأدب والإِرشاد، إلا أن بعض أصحابنا زعم أن النهي عن ذلك نهي تنزيه وتقذر، ولا أدري ما معنى قوله: تنزيه وتقذر؟ فإن أراد نهي أدب فهذا ما لا يُوافَق عليه، وإن أراد أن كل ذي ناب من السباع يجب التنزه عنه كما يجب التنزه عن النجاسات والأقذار فهو غاية التحريم، لأن المسلمين لا يختلفون في أن النجاسات محرمة العين أشد التحريم، ولم يُرِد القائلون من أصحابنا هذا, ولكنهم أرادوا الوجه الذي هو عند أهل العلم ندب وأدب؛ لأن بعضهم احتج بظاهر قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ. . .} الآية (٢) وذكر أن من الصحابة من استعمل هذه الآية ولم يحرم ما عداها، وكأنه لا حرام عنده على طاعم إلا ما ذكر في هذه الآية، ويلزمه على أصله هذا أن يحلل كل الحمر الأهلية، وهو لا يقول بهذا ولا أحد من أصحابه، وهذه مناقضة، وكذلك يلزمه أن لا يحرم ما لم يذكر اسم الله عليه عمدًا، ويستحل الخمر المحرمة عند جماعة المسلمين.

وفي إجماع المسلمين على تحريم خمر العنب المسكر دليل واضح على أن رسول الله -عليه السلام- قد وجد فيما أوحي إليه محرمًا على طاعم يطعمه، وقد اختلف الفقهاء في تأويلها على أربعة أقول:


(١) "التمهيد" (١/ ١٤١ - ١٤٣) بتصرف.
(٢) سورة الأنعام، آية: [١٤٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>