للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال قوم من العراقيين ممن يجيز نسخ القرآن بالسنة: إنها منسوخة بنهي النبي -عليه السلام- عن أكل كل ذي ناب من السباع، وعن أكل لحوم الحمر الأهلية.

وقال قوم: إن الآية نزلت جوابًا لما سأل عنه قوم من أصحابه فأجيبوا عن مسألتهم، والمعنى: قل لا أجد فيما أوحي إلى مما ذكرتم أو مما كنتم تأكلون. قاله: طاوس، ومجاهد، وقتادة، واستدلوا على ذلك بأن الله -عز وجل- قد حرم في كتابه وعلى لسان نبيه -عليه السلام- أشياء لم تذكر في الآية، لا يختلف المسلمون في ذلك.

وقيل: الآية محكمة، ولا تحرم إلا ما فيها، وهو قول يروى عن ابن عباس وعائشة -رضي الله عنهم-، وقد روي عنهما خلافه، وروي عن عمر من وجه ضعيف، وهو قول الشعبي وسعيد بن جبير في الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع.

وأما فقهاء الأمصار فمخالفون لهذا القول متبعون للسنة في ذلك، وأن كل ما حرمه رسول الله -عليه السلام- مضموم إليها، وهو زيادة حكم من الله تعالى على لسان نبيه، ولا فرق بين ما حرَّم الله أو حرمه على لسان نبيه -عليه السلام- بدليل قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (١) وقوله: و {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (٢) فقال البغداديون من أصحابنا: إن كل ما عداها حلال، ولكنه يكره أكل السباع.

وعند فقهاء الأمصار -منهم: مالك والشافعي وأبو حنيفة وعبد الملك-: أن أكل كل ذي ناب من السباع حرام، وليس يمتنع أن تقع الزيادة بعد قوله: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} (٣) بما يرد من الدليل فيها، كما قال -عليه السلام-: "لا يحل دم رجل مسلم إلا بإحدى ثلاث" (٤) فذكر الكفر، والزنا والقتل، ثم قال علماؤنا: أسباب


(١) سورة النور، آية: [٥٤].
(٢) سورة النساء، آية: [٨٠].
(٣) سورة الأنعام، آية: [١٤٥].
(٤) متفق عليه من حديث ابن مسعود، البخاري (٦/ ٢٥٢١ رقم ٦٤٨٤)، ومسلم (٣/ ١٣٠٢ رقم ١٦٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>