ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فذهب قوم إلى تحريم صيد المدينة وتحريم شجرها، وجعلوها في ذلك كمكة في حرمة صيدها وشجرها، وقالوا: من فعل من ذلك شيئًا في حرم رسول الله -عليه السلام- حَلَّ سلبه لمن وجده يفعل ذلك، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، ومحمد بن مسلم الزهري، والشافعي، ومالكًا، وأحمد، وإسحاق؛ فإنهم قالوا: المدينة لها حرم كحرم مكة، فلا يجوز أخذ صيدها, ولا قطع شجرها, ولكنه لا يجب الجزاء في قتل الصيد، وقطع الشجر عندهم، خلافًا لابن أبي ذئب؛ فإنه قال: يجب الجزاء، وكذلك لا يحل سلب من يفعل ذلك عندهم إلا عند الشافعي، وهو مذهب الظاهرية أيضًا.
وقال ابن حزم: روي ذلك عن عمر وابنه عبد الله وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهم-.
وقال الخطابي: وتحريم المدينة إنما هو لأجل تعظيمها دون تحريم صيدها وشجرها واختلف الفقهاء في ذلك، فقال مالك والشافعي وطائفة: لا جزاء في صيد المدينة، ورأى ابن أبي ذئب في الصيد والشجر الجزاء.
وروي أن سعدًا وزيد بن ثابت وأبا هريرة كانوا يرون صيد المدينة حرامًا, ولم يصح إيجاب الجزاء عن واحدٍ منهم.
وقال الشافعي في القديم: من اصطاد في المدينة صيدًا أُخِذَ سلبه، وروى فيه أثرًا عن سعد، وقال في الجديد بخلافه.
وقال ابن نافع: سئل مالك عن قطع سدر المدينة وما جاء فيه من النهي؟ فقال: إنما نُهِيَ عن قطع سدر المدينة لئلا توحش؛ وليبقى فيها شجرها ويستأنس بذلك ويستظل به من هاجر إليها.
وقال ابن حزم: أما من احتطب في حرم المدينة فحلال سلبه كل ما معه في حاله تلك، وتجريده إلا ما يستر عورته فقط؛ لما روينا من طريق مسلم، فروى حديث سعد المذكور.