وجه المخلِّص في ذلك، وهو أن فعل سعد الذي ذكر إنما كان في وقت كانت العقوبات التي تجب بالمعاصي في الأموال، كما كان في حق مانع الزكاة: أن تؤخذ منه الزكاة ويؤخذ عليها شطر ماله، وكما كان في حق من سرق الثمر من أكمامه: أن يغرم مثلي ما سرقه، ثم نسخت هذه الأشياء حين نسخ الربا، ورُدَّت الأشياء المأخوذة ظلمًا وغضبًا إلى أمثالها إن كانت لها أمثال، وإلى قيمتها إن لم يكن لها أمثال.
يعني إذا اغتصب رجل شيء آخر يحكم عليه بمثله، إن كان من ذوات الأمثال وإلا يحكم عليه بقيمة ذلك الشيء إما يوم الغصب، أو يوم الهلاك، أو يوم اليقين، على اختلاف فيه على ما عرف في الفروع.
قوله:"من أكمامه" جمع كِم -بكسر الكاف- هو: وعاء الطلع، وغطاء النُّور، وكذلك الكمامة.
قال الجوهري: جمع الكِم: كمام وأكمة، وأكام وأكاميم، وأما الكُمُّ -بالضم- فللقميص، والكَمِّ -بالفتح- مصدر كممت الشيء: إذا غطيته.
قوله:" قد ذكرناها في موضعها من كتابنا هذا" ذكره في (١).
قوله:"فهذا وجه ما روي في صيد المدينة" أي الذي ذكرناه إلى الآن هو وجه التوفيق بين الأحاديث التي رويت فيحكم صيد المدينة.
ص: وأما حكم ذلك من طريق النظر: فإنا رأينا مكة حرام، وصيدها وشجرها كذلك، هذا ما لا اختلاف فيه بين المسلمين، ثم رأينا من أراد دخول مكة لم يكن له أن يدخلها إلا حرامًا، فكان دخول الحرم لا يحل للحلال، وكانت حرمة صيده وشجره كحرمته في نفسه.
ثم رأينا المدينة كلٌّ قد أجمع أنه لا بأس بدخولها للرجل حلالاً، فلما لم تكن محرمة في نفسها كان حكم صيدها وشجرها كحكمها في نفسها، وكما كان صيد مكة إنما حرم لحرمتها، ولم تكن المدينة في نفسها حرام؛ لم يكن صيدها ولا شجرها حرامًا.