قال: إني رأيت كأن ديكًا نقرني ثلاث نقرات، وإني لا أراه إلا حضور أجلي وإن أقوامًا يأمرونني أن أستخلف، وإن الله تعالى لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته، ولا الذي بعث به نبيه -عليه السلام-، فإن عُجِّل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفى رسول الله -عليه السلام- وهو عنهم راض، وإني قد علمت أن أقوامًا يطعنون في هذا الأمر، أنا ضربتهم بيدي هذه على الإِسلام فإن فعلوا ذلك فأولئك أعداء الله الكفرة الضلال، ثم إني لا أدع بعدي شيئًا أهم عندي من الكلالة، ما راجعت رسول الله -عليه السلام- في شيء ما راجعته في الكلالة، وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه، حتى طعن بأصبعه في صدري فقال: يا عمر ألا [تكفيك](١) آية الصيف التي في آخر سورة النساء، وإني إن أعش أقضي فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن، ومن لا يقرأ القرآن، ثم قال: اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار، وإنما بعثتهم عليهم ليعدلوا عليهم، وليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم، ويقسموا فيهم فيئهم، ويرفعوا إلى ما أشكل عليهم من أمرهم، ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين: هذا البصل والثوم، ولقد رأيت رسول الله -عليه السلام- إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخًا".
قوله: "خبيثتين" أراد بالخبيثة النتنة، والعرب تطلق الخبيث على كل مذموم ومكروه من قول أو فعل أو مال أو طعام أو شخص.
قوله: "فليطبخهما طبخًا" وفي رواية مسلم: "فليمتهما طبخًا" ومعناهما واحد لأن المراد إذهاب رائحتهما وكسر قوة كل شيء إماتته، ومثله: قتلت الخمر إذا مزجتها بالماء فكسرتها.
قال القاضي: هذا يدل على أن النهي في النيء لأن الطبيخ يذهب ريحهما.
قال: وفيه دليل على إخراج من وجدت رائحتهما منه من المسجد، وإخراجه إلى البقيع: إبعاد له عن المسجد ورحابه، إذ حكمهما في أداء المصلين فيها حكم المسجد.