للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان لا تنجس الأرض لو رفع إنسان ماءه بكفيه، وعلى كل تقدير فيه استناد للأقوال التي ذكرت في مقدار العمق في الماء الكثير، فافهم.

ص: فقالوا: أما ما ذكرتموه من بئر بضاعة فلا حجة لكم فيه؛ لأن بئر بضاعة قد اختلفت فيها ما كانت؟ فقال قوم: كانت طريقا للماء إلى البساتين، فكان الماء لا يستقر فيها، فكان حكم مائها كحكم ماء الأنهار، وهكذا نقول في كل موضع كان على هذه الصفة وقعت في مائه نجاسة؛ فلا ينجس ماؤه إلَّا أن يغلب على طعمه أو لونه أو ريحه [١/ ق ٨ - ب]، أو يعلم أنَّهَا في الماء الذي يؤخذ منه؛ فإن علم ذلك كان نجسا، وإنْ كان لم يعلم ذلك كان طاهرا.

ش: أشار بهذا إلى الجواب عن الآثار المذكورة وهو ظاهر.

قوله: "فيه" أي فيما ذكرتموه من الآثار، وأراد بقوله: "فقال قوم" الواقدي ومن تبعه على ما يجيء، وهو قول عائشة - رضي الله عنه - أيضًا على ما روي عنها أنَّهَا قالت: "إنَّ بئر بضاعة كانت قناة ولها منفذ إلى بساتينهم ويسقى منها خمسة بساتين أو سبعة" وقال صاحب الهداية: والذي رواه مالك ورد في بئر بضاعة وماؤه كان جاريا في البساتين.

وقال الخطابي: قد يتوهم من سمع حديث أبي سعيد أن هذا كان منهم عادة، وأنهم كانوا يأتون هذا الفعل قصدا وتعمدًا، وهذا ما لا يجوز أن يُظَنّ بذمي بل وثني فضلا عن مسلم، ولم تزل عادة الناس قديما وحديثا مسلمهم وكافرهم تنزيه المياه، فكيف يُظن بأعلى طبقات الدين وأفضل جماعة المسلمين والماء ببلادهم أعز والحاجة إليه أمس أن يكون صنيعهم به هكذا وقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تغوط في موارد الماء ومشارعه فكيف من اتخذ عيون الماء ومنابعه رصدا للأنجاس ومطرحا للأقذار، مثل هذا الظن لا يليق بهم ولا يجوز فيهم، وإنما كان من أجل أن هذه البئر موضعها في حدور من الأرض، وأن السيول كانت تكسح هذه الأقذار من الطرق والأفنية فتحملها فتلقيها فيها، وكان الماء لكثرته لا يؤثر فيه وقوع هذه الأشياء، ولا تُغيره، فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شأنها ليعلموا حكمها من الطهارة والنجاسة، فكان من

<<  <  ج: ص:  >  >>