فقد يجوز أن يكون اجتنب ذلك لما قال الشعبيّ، وقد يجوز في ذلك معنى آخر.
فإنه حدثنا يحيى بن عثمان، قال: ثنا أبي، قال: ثنا ابن لهيعة، عن عبيد الله ابن أبي جعفر، عن إسماعيل الأعور قال:"كان رسول الله -عليه السلام- يأكل متكئًا، فنزل عليه جبريل -عليه السلام- فقال: انظروا إلى هذا العبد كيف يأكل متكئًا؟! قال: فجلس رسول الله -عليه السلام-".
فقد يجوز أن يكون هذا المعنى الذي من أجله قال:"لا آكل متكئًا" لأنه فعل الملوك والجبابرة، وفعل الأعاجم؛ فكره ذلك ورغب في فعل العرب، كما روي عن عمر - رضي الله عنه -.
فإنه حدثنا حسين بن نصر، قال: سمعت يزيد بن هارون، قال: أنا عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، قال:"أتانا كتاب عمر - رضي الله عنه -: اخشوشنوا واخشوشبوا، واخلولقوا، وتمعددوا كأبيكم معد، وإياكم والتنعم وزي العجم".
أفلا ترى أنه نهاهم عن زي العجم، وأمرهم بالتمعدد وهو العيش الخشن الذي يعرفه العرب، فكذلك الأكل متكئًا نهوا عنه لأنه فعل العجم، وأما الشرب قاعدًا فأمروا به خوفًا مما يحدث عليهم في صدورهم، فليس في ذلك شيء من زي العجم.
ش: أي وقد روي في الترك الأكل متكئًا عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
أخرجه من طريقين صحيحين:
الأول: عن محمَّد بن حجاج الحضرمي، عن أسد بن موسى، عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن شعيب بن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن أبيه عبد الله بن عمرو.
اعلم أن شعيبًا هذا هو ابن محمَّد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد ينسب إلى جده، وممن ينسبه إلى جده: ثابت البناني الراوي عنه، وذكر البخاري وأبو داود وغير واحد أنه سمع من جده عبد الله بن عمرو، ولم يذكر أحد أنه يروي عن أبيه محمَّد، فإذا كان سماعه عن جده صحيحًا يكون حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده صحيحًا متصلًا، فافهم.