للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قال أصحابنا: رجل يمر في المسجد ويتخذ طريقًا إن كان لغير عذر لا يجوز، وبعذر يجوز، ثم إذا جاز يصلي في كل يوم مرة.

قلت: إذا كان اتخاذ الطريق لغير عذر غير جائز؛ فالتخطي فيه وهو حامل شيئًا إذا لم يرد به الصدقة أولى أن لا يجوز.

وقال ابن حزم (١): وروينا عن ابن عمر، والحسن، والشعبي إباحة التطرق في المسجد.

قلت: هذا محمول علي حالة العذر.

وقال أيضًا (٢): التحدث في المسجد بما لا إثم فيه من أمور الدنيا مباح، وذِكْرُ الله تعالى أفضل، وإنشاد الشعر فيه مباح، والتعليم فيه للصبيان وغيرهم مباح، والسكني فيه والمبيت مباح ما لم يضيق على المصلين، وإدخال الدابة فيه مباح إذا كان لحاجة، والحكم فيه والخصام كل ذلك جائز، والتطرق فيه جائز إلا أن من خطر فيه بنبل فإنه يلزمه أن يمسك بحديده، فإن لم يفعل فعليه القود في كل ما أصاب بها.

ص: وقالوا: قد يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد بما ذكرتم في حديث أبي موسى الإدخال للصدقة؛ فنظرنا في ذلك، هل نجد شيئًا من الآثار يدل عليه؟ فإذا يونس قد حدثنا، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، والليث بن سعد -يزيد أحدهما على الآخر- عن أبي الزبير، عن جابر قال: "كان الرجل يتصدق بنبل في المسجد، فأمر رسول الله -عليه السلام- أن يمر بها إلا وهو آخذ بنصولها".

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا شعيب بن الليث، عن الليث، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي -عليه السلام- نحوه.

فبيَّن جابر في هذا الحديث أن الذين كانوا يدخلون بها المسجد إنما كانوا يريدون بها الصدقة فيه، لا التخطي.


(١) "المحلى" (٤/ ٢٤٣).
(٢) "المحلى" (٤/ ٢٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>