وأن نهيه عن الخروج منه لئلا يخرج رجل فَيَسْلَم فيقول: سلمت لأني خرجت، ولولا أني خرجت لم أَسْلَم، فلما كان النهي عن الخروج عن الطاعون، وعن الهبوط عليه لمعنى واحد وهو الطيرة لا الإعداء؛ كان كذلك قوله:"لا يورد ممرض علي مصح" هو الطيرة أيضًا لا الإعداء؛ فنهاهم رسول الله -عليه السلام- في هذا كله عن الأسباب التي من أجلها يتطيرون، وفي حديث أسامة الذي رويناه عن رسول الله -عليه السلام-، "وإذا وقع بأرض وهو بها فلا يخرجه الفرار منه" دليل علي أنه لا بأس بأن يخرج منها لا على الفرار منه.
ش: المعنى الذي ذكره في قوله -عليه السلام-: "إذا كان الطاعون بأرض فلا تهبطوا عليه، وإذا كان بأرض أنتم بها فلا تفروا منه" مما يؤيد المعنى الذي ذكره في التوفيق بين الأحاديث التي فيها نفي الإعداء؛ وبين قوله -عليه السلام-: "لا يورد ممرض على مصح" وهو ظاهر.
وقوله:"فلما كان النهي عن الخروج. . . ." إلي آخره إشارة إلى أن حاصل المعنى المذكور يرجع إلى معنى الطيرة لا إلي معنى الإعداء، فإذا كان المعني على هذا؛ كان معني قوله:"لا يورد ممرض علي مصح" راجعًا إلى معنى الطيرة لا الإعداء، فكأن النهي في الأحاديث المذكورة عن مباشرة الأسباب التي كانوا يتطيرون من أجلها.
ص: وقد دل علي ذلك أيضًا ما حدثنا يونس، قال: أنا بشر بن بكر، قال: أنا الأوزاعي، قال: حدثني يحيي بن أبي كثير، عن أبي قلابة، عن أنس - رضي الله عنه - أن نفرًا من عكل قدموا علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة فاجتووها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو خرجتم إلي ذودٍ فشربتم من ألبانها وأبوالها، ففعلوا فصحوا. . . ." ثم ذكر الحديث.
حدثنا فهد، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا زهير بن معاوية، قال: ثنا سماك بن حرب، عن معاوية بن قرة، عن أنس بن مالك قال:"أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفر مَرْضَي من حي من أحياء العرب، فأسلموا وبايعوه، وقد وقع بالمدينة المُومْ وهو البرسَام، فقالوا: يا رسول الله، هذا الوجع قد وقع، فلو أذنت لنا فخرجنا إلى الإبل فكنا فيها؟ قال: نعم، اخرجوا فكونوا فيها".