للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و"البطش": الأخذ القوي الشديد.

ثم إنه -عليه السلام- أخبر أنه لا يدري أكان موسى -عليه السلام- صعق فيمن كانوا صعقوا، فأفاق قبله -عليه السلام- أو كان فيمن استثنى الله -عز وجل- من الملائكة ممن لا يصعقون؛ وذلك لأجل مجازاته بصعقة الطور كما جاء في رواية أبي سعيد الخدري.

أخرجها البخاري (١) ومسلم (٢): "لا تخيروني من بين الأنبياء؛ فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يُفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أو جزي بصعقة الطور؟ ".

فإذا كان الأمر كذلك يكون تفضيله -عليه السلام- إياه لهذا المعنى الخاص، ولا يلزم من تفضيل أحد علي أحد في صفة خاصة أن يكون أفضل منه في جميع الصفات، ويقال: وجه نهيه -عليه السلام- عن تفضيلهم إياه علي موسى -عليه السلام- كان لما ذكر من النزاع الكائن بين الأنصاري وبين اليهودي اللذين تنازعا عنده في الفضل عليهم والإخلال، بالواجب في حقه، في هذه القضية حين تنازع إليه الأنصاري واليهودي: "لا تفضلوا بين أنبياء الله؛ فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من أبعث، فإذا موسى آخذ بالعرش فلا أدري أحوسب بصعقة يوم الطور أم بعث قبلي؟ ولا أقول أن أحدًا أفضل من يونس بن متى".

وهاهنا قد نهاهم أن يفضلوا بين الأنبياء كلهم لما ذكرنا من المعني، ثم خصص موسى بالذكر قطعًا لمادة النزاع وتطييبًا لقب اليهودي، ثم عمم نفي تفضيل الأنبياء كلهم علي يونس بن متى -عليه السلام-، ولكن هذا له تأويلان:

أحدهما: أن يكون أراد من سواه من الأنبياء دون نفسه.

والثاني: أن يكون ذلك مطلقًا فيه وفي غيره من الأنبياء -عليهم السلام- فيكون هذا


(١) "صحيح البخاري" (٣/ ١٢٤٥ رقم ٣٢١٧).
(٢) "صحيح مسلم" (٤/ ١٨٤٥ رقم ٢٣٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>