للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يشبه إخصاء البهائم إخصاء بني آدم؛ لأن إخصاء البهائم إنما يراد به ما ذكرنا من سمانتها وقطع عَضِّها؛ فذلك مباح، وبنو آدم فإنما يراد بإخصائهم المعاصي فذلك غير مباح، ولو كان ما روينا في أول هذا الباب صحيحًا لاحتمل أن يكون أريد به الإخصاء الذي لا يبقى معه شيء من ذكور البهائم حتى يخصي، فذلك مكروه؛ لأن فيه انقطاع النسل، ألا تراه يقول في ذلك الحديث: "منها نشأت الخلق" أي فإذا فعل لم ينشأ شيء من ذلك الخلق، فذلك مكروه، فأما ما كان من الإخصاء الذي لا ينقطع معه نشؤ الخلق؛ فهو بخلاف ذلك.

ش: أي قال الآخرون، وهذا جواب عن الحديث الذي احتج به أهل المقالة الأولى , بيانه: أن الحديث الذي احتجوا به أصله موقوف على ابن عمر ولا يصح رفعه عن النبي -عليه السلام-، أخرج ذلك الطحاوي عن محمَّد بن خزيمة، عن يحيى بن عبد الله بن بكير، عن مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر.

ولم يذكر عن النبي -عليه السلام-، فإذا كان كذلك فلا تقوم به الحجة، ولئن سلَّمنا صحة رفعه فهو ضعيف الإسناد؛ فلا يصح الاحتجاج به.

قوله: "فأما ما ذكروا من قول الله -عز وجل-. . . ." إلى آخره. جواب عن احتجاجهم بقوله تعالى: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} (١)، بيان ذلك أنهم اختلفوا في تأويله؛ فقد قال بعضهم: تأويله ما ذكره أهل المقالة الأولي، وقال الآخرون: المراد به دين الله تعالي، روي ذلك البيهقي في "سننه" (٢) من حديث ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: "يعني الفطرة الدين".

وروى أيضًا (٣) من حديث المغيرة عن إبراهيم قال: يعني دين الله. وروي أيضًا نحو ذلك عن الحسن وسعيد بن جبير وقتادة.


(١) سورة النساء، آية: [١١٩].
(٢) "سنن البيهقي الكبرى" (١٠/ ٢٥ رقم ١٩٥٨٢).
(٣) "سنن البيهقي الكبرى" (١٠/ ٢٥ رقم ١٩٥٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>