ص: ويحتمل أن يكون الكي منهيًا عنه على ما في الآثار الأُوَل، ثم أبيح بعد ذلك علي ما في هذه الآثار الأُخَر، وذلك أن ابن أبي داود حدثنا، قال: ثنا خطاب بن عثمان، قال: ثنا إسماعيل بن عياش، عن سليمان بن سليم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال:"جاء رجل إلي رسول الله -عليه السلام- يستأذنه في الكي فقال: لا تَكْتَوِ، فقال: يا رسول الله، بلغ بي الجَهْدُ، ولا أجدُ بدًّا من أن أكتوي، قال: ما شئت، أَمَا إنه ليس من جرح إلا هو آتي الله -عز وجل- يوم القيامة يدمي يشكو الألم الذي كان بسببه، وإن جَرْحَ الكي يأتي يوم القيامة يذكر أن سببه كان من كراهة لقاء الله -عز وجل-، ثم أمره أن يكتوي".
ففي هذا الحديث نهي رسول الله -عليه السلام- عن الكي وإباحته إياه بعد ذلك، فاحتمل أن يكون ما في الآثار الأُوَل كان من رسول الله -عليه السلام- في حال النهي المذكور في هذا الحديث، وما كان من الإباحة في الآثار الأُخَر كان عندما كان منه من الإباحة المذكورة في هذا الحديث، فتكون الإباحة ناسخة للنهي.
ش: هذه إشارة إلى بيان وجه آخر في التوفيق بين أحاديث هذه الباب، وحاصله أن أحاديث النهي عن الكي تكون منسوخة بأحاديث الإباحة، والأصل أن المحرم والمبيح إذا اجتمعا يكون الحكم للمحرم احتياطًا، لكن فيما إذا لم يكن يعلم المتقدم والتأخر، فإذا علم التقدم والتأخر يكون المبيح ناسخًا إذا تقدم، وهاهنا إباحة النبي -عليه السلام- الكي بعد منعه، فدل علي أنه كان ناسخًا، والدليل علي ذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.
أخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن خطاب بن عثمان الفَوْزي، شيخ البخاري، عن إسماعيل بن عياش -بالياء المشددة آخر الحروف، وبالشين المعجمة- الشامي الحمصي، قال دحيم: ثقة في الشاميين وخلط عن المدنيين. وقال البخاري: إذا حدث عن أهل بلده فصحيح، وإذا حدث عن غيره ففيه نظر. واحتجت به الأربعة.