للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ص: فهؤلاء أصحاب رسول الله -عليه السلام- قد اكْتَوَوْا، وكَوَوْا غيرهم، وفيهم ابن عمر - رضي الله عنهما -، وقد روينا عنه أن رسول الله -عليه السلام- قال: "ما أحب أن اكتوي، فدل فعله ذلك علي ثبوت نسخ ما كان النبي -عليه السلام- كرهه من ذلك، وفيهم عمران بن حصين وهو الذي روى عن النبي -عليه السلام- مدحه للذين لا يكتوون، فدل ذلك أيضًا علي علمه بإباحة رسول الله -عليه السلام- لذلك".

ش: أشار بهؤلاء إلى الصحابة الذين أخرج عنهم إباحة الكي.

قوله: "وفيهم عبد الله بن عمر" أي والحال أن فيهم عبد الله بن عمر، والحال أَنَّا قد روينا عنه أن رسول الله -عليه السلام- قال: "ما أحب أن أكتوي" فمباشرة ابن عمر فعل الكي بعد روايته هذا تدل علي ثبوت نسخ ما روي عنه -عليه السلام- من كراهته، وكذلك فعل عمران بن حصين؛ فإنه أيضًا قد روى عن النبي -عليه السلام- مدحه لمن لا يكتوي؛ فدل علي ثبوت النسخ عنده.

ص: فإن قال قائل: فكيف يكون ذلك وقد روي عن عمران بن حصين. . . . فذكر ما حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا أبو جابر، قال: ثنا عمران بن حدير، عن أبي مجلز قال: "كان عمران بن حصين ينهى عن الكي، فابتلي فكان يقول: لقد اكتويت كيةً بنارٍ فما أبرأتني من إثم ولا شفتني من سقم".

قيل له: يجوز أن يكون الكي الذي كان عمران ينهى عنه [هو] (١) الكي يراد به [لا] (٢) العلاج من البلاء الذي قد حل، ولكن لما يفعل قبل حلول البلاء، مما كانوا يرون أنه يدفع البلاء، فلما ابتلي بما كان ابتلي به؛ اكتوى علي أن ذلك علاج لما به من البلاء، فلما لم يبرأ بذلك، علم أن كيه لم يوافق بلاءه ولم يكن علاجًا له، فأشفق أن يكون بها آثما فقال: "ما شفتني من سقم ولا أبرأتني من إثم"، أي لم أعلم أني بريء من الإثم مع أنه لم يحقق أنه صار آثمًا بها؛ لأنه إنما كان أراد بها الدواء لا غير ذلك، والدواء مباح للناس جميعًا، وهم مأمورون به.


(١) في "الأصل، ك": "هي"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
(٢) سقط من "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

<<  <  ج: ص:  >  >>