في العطايا، وكان إسحاق يقول مثل هذا ثم رجع إلى مثل قول الشافعي، وكل هؤلاء يقول: إن فعل ذلك أحد نفذ ولم يُرَدّ، واختلف في ذلك عن أحمد، وأصح شيء عنه: أنه يُرَدّ، وقد ذكرناه مستقصى.
وقال ابن حزم: اختلفوا في هذا الباب، فقال شريح وأحمد وإسحاق: العدل أن يعطى الذكر حظين، وقال غيرهم بالتسوية في ذلك.
وأجاز تفضيل بعض الولد على بعض: القاسم بن محمَّد وربيعة وغيرهما، وبه يقول أبو حنيفة ومالك والشافعي، وكرهه أبو حنيفة وأجازه إن وقع، وكره مالك أن يَنْحَلَ بعض ولده ماله كله.
ص: وكان من الحجة لهم في ذلك: أن حديث النعمان الذي ذكرنا قد روي عنه على ما ذكروا، وليس فيه دليل على أنه كان حينئذ صغيرًا، ولعله كان كبيرًا ولم يكن قبضه، وقد روي أيضًا على غير المعنى الذي في الحديث الأول.
حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا الخصيب بن ناصح، قال: ثنا وهيب، عن داود بن أبي هند، عن أبي هند، عن عامر الشعبي، عن النعمان بن بشير قال:"انطلق بي أبي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحلني نُحْلي ليشهده على ذلك، فقال: أَوَ كُلَّ ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال: لا، قال: أيسرك أن يكونوا إليك في البر كلهم سواء؟ قال: بلى، قال: فأشْهِد على هذا غيري".
فكان في الحديث من قول النبي -عليه السلام- لبشير فيما كان نحله النعمان:"أَشْهِدْ على هذا غيري" فهذا خلاف ما في الحديث الأول؛ لأن هذا لا يدل على فساد العقد الذي كان عقده للنعمان؛ لأن النبي -عليه السلام- قد يتوقى الشهادة على ما له أن يشهد عليه، وعلى الأمور التي قد كانت، فكذلك لمن بعده؛ لأن الشهادة إنما هي أمر يتضمنه الشاهد للمشهود له، فله أن لا يتضمن ذلك، وقد يحتمل غير هذا أيضًا، فيكون قوله:"أشهد على هذا غيري" أي: أنا الإِمام، والإمام ليس من شأنه أن يشهد وإنما من شأنه أن يحكم.