وفي قوله:"أشهد على هذا غيري" دليل على صحة العقد، وقد حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا آدم، قال: ثنا ورقاء، عن المغيرة، عن الشعبي، قال: سمعت النعمان على منبرنا هذا يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سوُّوا بين أولادكم في العطية كما تحبون أن يسووا بينكم في البر".
فكان المقصود إليه في هذا الحديث الأمر بالتسوية بينهم في العطية ليستووا جميعًا في البر، وليس فيه شيء من ذكر فساد للعقد المعقود على التفضيل.
ش: أي: وكان من الدليل والبرهان لأهل المقالة الثانية فيما ذهبوا إليه، وأراد به الجواب على ما احتجت به أهل المقالة الأولى من حديث النعمان بن بشير على الوجه الذي رووا، وهو على وجهين:
الأول: بطريق التسليم، وهو أن يقال: سلمنا أن حديث النعمان قد روي على الوجه الذي رَوَوْهُ، وهو معنى قوله:"قد روي عنه على ما ذكروا ولكن ليس فيه دليل على أن النعمان كان حينئذ صغيرًا، ولعله قد كان كبيرًا حينئذ ولم يكن قد قبضه" فلذلك قال لأبيه بشير: اردده، فأمر بالرجوع عن ذلك.
فإن قيل: قد قال ابن حزم: كان صغر النعمان أشهر من الشمس، وأنه ولد بعد الهجرة بلا خلاف من أحد من أهل العلم، وقد بين ذلك في حديث أبي حيان عن الشعبي، عن النعمان "وأنا يومئذ غلام" ولا يطلق هذا اللفظ على رجل بالغ.
قلت: نعم، ولد النعمان بعد الهجرة، ولكن ابن حزم ما بين تاريخ ميلاده وأبهمه ترويجًا لكلامه، وكان ميلاده على رأس أربعة عشر شهرًا من الهجرة، وهو أول مولود من الأنصار، وقيل: ولد بعد سنة أو أقل من سنة، وقيل: ولد قبل وفاة النبي -عليه السلام- بثمان سنين، والأول أصح.
فإذا كان الأمر كذلك يكون مراد الطحاوي من قوله: وليس فيه دليل على أنه كان حينئذ صغيرًا، يعني قبل بلوغه سن التميز وهو خمس سنين أو سبع سنين، ويكون المراد من قوله:"ولعله قد كان كبيرًا" يعني بعد بلوغه سن التمييز، ولا يشترط