للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البلوغ في صحة قبض الهبة، فيجوز قبض الصبي العاقل ما وُهِبَ له، لأن قبض الهبة من التصرفات النافعة المحضة، فيملكه الصبي العاقل كما يملك وَلِيُّه، وكذا الصبية إذا عقلت جاز قبضها لما قلنا.

فإذا كان الأمر كذلك يكون معنى كلامه: "ولعله قد كان كبيرًا" يعني صبيًّا عاقلًا أهلا للقبض، ولكنه لم يكن قبضه، فلذلك أمر والده بالرجوع لعدم تمام الهبة، لأنها لا تتم إلا بالقبض.

الوجه الثاني: بطريق المنع؛ وهو أن يقال: لا نسلم دلالة ما رويتم من حديث النعمان على ما ادعيتم، لأنه قد روي على وجوه مختلفة: منها الوجه المذكور، ومنها ما أشار إليه بقوله: "وقد روي أيضًا على غير المعنى الذي في الحديث الأول".

وبينه بتخريجه بإسناد صحيح عن نصر بن مرزوق، عن الخَصِيب -بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد المهملة- بن ناصح الحارثي، عن وهيب بن خالد البصري، عن داود بن أبي هند دينار البصري، عن عامر الشعبي.

وأخرجه مسلم (١): ثنا محمَّد بن مثنى، قال: ثنا عبد الوهاب وعبد الأعلى (ح).

وثنا إسحاق بن إبراهيم ويعقوب الدورقي جميعًا عن ابن علية -واللفظ ليعقوب- قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير قال: انطلق بي [أبي] (٢) يحملني إلى رسول الله -عليه السلام- فقال: يا رسول الله اشْهَد أني قد نحلت النعمان كذا وكذا من مالي، فقال: أكل بنيك نحلت مثل ما نحلت للنعمان، قال: لا، قال: فَأَشْهِد على هذا غيري، ثم قال: أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ قال بلى، قال: فلا إذا".

قوله: "فهذا" أي هذا الوجه في هذا الحديث "خلاف ما في الحديث الأول" وبَيَّن وجه المخالفة بقوله: "لأن هذا القول" يعني قوله -عليه السلام-: "أشهد على


(١) "صحيح مسلم" (٣/ ١٢٤٣ رقم ١٦٢٣).
(٢) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "صحيح مسلم".

<<  <  ج: ص:  >  >>