كان عنده قبل نزول هذه الآية ألَّا يتكلم، وألَّا يرد السلام، حتى نسخ الله -عز وجل- ذلك بهذه الآية، فأوجب بها الطهارة على من أراد الصلاة خاصة، فثبت بذلك أن حديث أبي الجُهيم، وحديث ابن عمر، وابن عباس، والمهاجر منسوخة كلها، وأن الحكم الذي في حديث علي - رضي الله عنه - متأخر عن الحكم الذي فيها.
ش: أراد بهذين الأثرين: أثر عبد الله بن عمر، وأثر مالك بن عبادة الغافقي.
قوله:"فأردنا ... " إلى آخره، إشارة إلى وجه التوفيق بين هذه الآثار المذكورة في هذا الباب؛ لأن بعضها يضاد بعضا، وذلك لأن حديث أبي الجهيم بن الحارث، وحديث عبد الله بن عمر:"أن رجلا سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ... " إلى آخره، وحديث ابن عباس مثله، وحديث المهاجر بن قنفذ الذي في أول الباب؛ كلها تدل على أن ذكر الله وغيره نحو القراءة لا تكون إلَّا على طهر، وأحاديث غير هؤلاء التي ذكرت هنا تدل على إباحة ذكر الله تعالى على أي حالة كانت، وأن قراءة القرآن تجوز على حال الحدث الأصغر، وتمنع على حال الحدث الأكبر والحيض والنفاس، فلما كان الأمر كذلك؛ وجب المصير إلى التوفيق، ووجهه: أن ننظر أي من هذه الآثار جاء آخرا، وأيها جاء أولا، فنظرنا في ذلك، فوجدنا حديث علقمة بن الفغواء دل على أن آثار أبي الجهم وابن عمر وابن عباس والمهاجر بن قنفذ كانت متقدمة، وأن الحكم الذي في حديث علي - رضي الله عنه - متأخر عن الحكم الذي فيها؛ فثبت بها انتساخ أحاديث هؤلاء كما هو الأصل عند تعارض النصوص.
فإن قلت: حديث جابر الجعفي غير ثابت فلا يتم به الاستدلال.
قلت: لا نسلم ذلك؛ لأن سفيان يقول: كان جابر ورعا في الحديث ما رأيت أورع في الحديث منه، وعن شعبة: وهو صدوق في الحديث، وعن وكيع: ثقة، ولئن سلمنا ذلك فنقول آثار هؤلاء محمولة على الفضيلة والاستحباب، وقد يقال: إنها منسوخة بحديث عائشة: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كل أحيانه".