ذكره يعارض هذا الحديث، وكذلك يعارض حديث أبي هريرة الآخر الذي رواه عنه بشير بن نهيك.
قلت: لا نسلم ذلك؛ لأن معنى قوله:"لا عمرى" بالشروط الفاسدة نفي لا تجري العمرى كما هي عقدت كما أشار إليها الطحاوي فيما مضى، ومعنى قوله:"العمرى جائزة" يعني قد جازت على المُعْمِرَ، وجازت على المُعْمِر في حياته ولورثته بعد مماته كسائر أمواله.
ص: والدليل على ذلك أيضًا: أن ابن أبي داود وأحمد بن داود قد حدثانا، قالا: ثنا أبو عمر الحوضي، قال: ثنا همام، قال: ثنا قتادة، قال: قال لي سليمان بن هشام: "ما تقول في العمرى؟ فقلت له: حدثني النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة، أن رسول الله -عليه السلام- قال: "العمرى جائزة". قال الزهري: إنها لا تكون عمرى حتى تجعل له ولعقبه، فقال لعطاء بن أبي رباح: ما تقول؟ فقال: حدثني جابر، أن رسول الله -عليه السلام- قال: "العمرى ميراث".
فهذا عطاء وقتادة قد جعلاها جائزة للمُعْمَرِ موروثة عنه، ولم ينكر ذلك عليهما الزهري، وإنما قال: لا تكون عمرى فيكون هذا حكمها حتى تجعل للمُعْمَر ولعقبه، فتكون كماله، وتكون موروثة عنه كما يورث عنه سائر ماله، وإن كان من يرثها عنه فيهم خلاف عقبه على ما حدثه أبو سلمة، وسنذكر ذلك في موضعه من هذا الباب إن شاء الله تعالى.
ش: أي: الدليل على ما ذكرنا من أن العمرى جائزة وأنها تكون للمُعْمَرِ في حياته وبعده لورثته: أن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، وأحمد بن داود المكي، قالا: حدثنا أبو عمر حفص بن عمر الحوضي شيخ البخاري وأبي داود .. إلى آخره.
وهذا إسناد صحيح.
وبشير -بفتح الباء- بن نهيك السدوسي روي له الجماعة، وسليمان بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي، كان أميرًا في عهد أبيه هشام.