وقال الشافعي: إن تحاكموا إلينا فلنا أن نحكم أو ندع وإن حكمنا رجمنا المحصن، وجلدنا البكر مائة وغربناه عامًا، واختار هذا القول جماعة من أصحابه، وقال في كتاب الجزية: لا خيار للإمام ولا للحاكم إذا جاءوا في حدٍّ لله تعالى، وعليه أن يقيمه عليهم.
وهذا القول اختاره المزني.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: يحدان إذا زنيا كحد المسلم. انتهى.
وقال أبو بكر الرازي في "الأحكام" قال أصحابنا: أهل الذمة يُحْكَمون في البيوع والمواريث وسائر العقود على أحكام الإِسلام كالمسلمين إلا في بيع الخمر والخنزير فإن ذلك جائز فيما بينهم؛ لأنهم مُقِّرون على أن يكون مَالًا لهم ولا نعلم خلافًا بين الفقهاء فيمن استهلك لذمي خمرًا: أن عليه قيمتها، وقد روي أنهم كانوا يأخذون الخمر في العشور فكتب إليهم عمر - رضي الله عنه - أن ولوهم بيعها، وخذوا العشر من أثمانها، فهذان مال لهم يجوز تصرفهم فيهما، وما عدا ذلك فهم محمولون على أحكامنا، لقوله تعالى:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ}(١).
ثم قال: فهذا الذي ذكرناه مذهب أصحابنا في عقود المعاملات والتجارات والحدود، وأهل الذمة والمسلمون فيها سواء، إلا أنهم لا يرجمون؛ لأنهم غير محصنين.
واختلف أصحابنا في مناكحتهم فيما بينهم. فقال أبو حنيفة: هم مقرون على أحكامهم لا يعترض عليهم فيها إلا أن يرضوا بأحكامنا، فإن تراضى بها الزوجان حملًا على أحكامنا، وإن أبي أحدهما لم يعترض عليهم، فإن تراضيا جميعًا حملهما على أحكام الإِسلام إلا في النكاح بغير شهود والنكاح في العدة فإنه لا يفرق بينهم، وكذلك إن أسلموا، وقال محمَّد: إذا رضى أحدهما حُمِلَا جميعًا على أحكامنا، وإن أبوا، إلا في النكاح بغير شهود فإنه يجيزه إذا تراضوا بها.