وقال زفر: يحملون في النكاح بغير شهود على أحكامنا، ولا نجيزه إذا تراضوا بها.
ص: وكان من الحجة لهم في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - الذي ذكرنا: أنه إنما أخبر فيه ابن عمر أن رسول الله -عليه السلام- رجم يهودية ويهودي حين تحاكموا إليه، ولم يقل: إن رسول الله -عليه السلام- قال: إنما رجمتهم لأنهم تحاكموا إلي، ولو كان قال ذلك لَعُلِم أن الحكم منه إنما يكون إليه بعد أن يتحاكم إليه، وأنهم إذا لم يتحاكموا إليه لم ينظر في أمورهم، ولكنه لم يجيء هكذا، وإنما جاء عنه أنه رجمهما حين تحاكموا إليه، فإنما أخبر عن فعل النبي -عليه السلام- وحكمه إذا تحكموا إليه، ولم يخبر عن حكمهم عنده قبل أن يتحاكموا إليه هل يجب عليهم فيه إقامة الحد عليهم أم لا؛ فبطل أن يكون في هذا الحديث دلالة في ذلك عن رسول الله -عليه السلام- ولا عن ابن عمر من رأيه.
ش: أي: وكان من الدليل والبرهان لهؤلاء الآخرين في حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -. . . . إلى آخره، وأرد بذلك الجواب عن حديثه الذي احتج به أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه، حاصلة: أنه لا يدل على ما ادعوا من ذلك، وَبَيَّنَ ذلك بقوله:"ولم يقل: إن رسول الله -عليه السلام- قال. . . ." إلى آخره، وهو ظاهر.
ص: ثم نظرنا فيما سوى ذلك من الآثار، هل فيه ما يدل على شيء من ذلك؟
فإذا أحمد بن أبي عمران قد حدثنا، قال: ثنا أبو خيثمة زهير بن حرب قال: ثنا حفص بن غياث، عن مجالد بن سعيد، عن عامر الشعبي، عن جابر بن عبد الله:" [أن](١) اليهود جاءوا إلى رسول الله -عليه السلام- برجل وامرأة منهم زنيا، فقال لهم رسول الله -عليه السلام-: ائتوني بأربعة منكم يشهدون".
فثبت بهذا أن رسول الله -عليه السلام- قد كان نظر بينهم قبل أن يُحَكِّمه الرجل والمرأة المدعى عليهما الزنا، لأنهما جميعًا جاحدان، ولو كانا مقرين لما احتاج مع إقرارها إلى أربعة يشهدون.
(١) ليست في "الأصل"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".