للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو حذيفة، عن سفيان، عن السدي، عن عكرمة {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} قال: نسختها هذه الآية: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} (١).

وقال الآخرون: تأويلها: وأن أحكم بينهم بما أنزل الله إن حكمت.

فلما اختلف في تأويل هذه الآية، وكانت الآثار قد دلت على ما ذكرنا؛ ثبت أن الحكم عليهم على إمام المسلمين ولم يكن له تركه؛ لأن في حكمه النجاة في قول جميعهم؛ لأن من يقول: عليه أن يحكم، يقول: قد فعل ما هو عليه أن يفعله، ومن يقول: هو مخير يقول: قد فعل ما له أن يفعله، وإذا ترك الحكم فمن يقول: عليه أن يحكم، يقول: قد ترك ما كان عليه أن يفعله، ومن يقول: له أن لا يحكم يقول: قد ترك ما كان له تركه، فإذا حكم شهد له الفريقان جميعًا بالنجاة، فإذا لم يحكم لم يشهدا بذلك.

فأولى الأشياء بنا أن تفعل ما فيه النجاة بالاتفاق دون ما فيه ضد النجاة بالاختلاف.

وهذا الذي ذكرنا من وجوب الحكم عليه هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.

ش: هذا جواب عن الآية التي احتجت بها أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه وهي قوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} (٢)، وكانوا قد قالوا: إن الله تعالى قد خير نبيه -عليه السلام- بين الحكم والإعراض إذا ارتفع أهل الذمة إليه، فَدَلَّ ذلك أنه لا يجب على الإِمام أن يحكم عليهم إذا ارتفعوا إليه، وبيان الجواب عن ذلك أن التخيير منسوخ بقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} (١).


(١) سورة المائدة، آية: [٤٩].
(٢) سورة المائدة، آية: [٤٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>