ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فذهب قوم إلى أن كل قضاء قضى به الحاكم من تمليك مال، أو إزالة ملك، أو إثبات نكاح أو من حله بطلاق أو بما أشبه ذلك؛ أن ذلك كله على حكم الباطن فإن كان ذلك في الباطن كهو في الظاهر وجب ذلك على ما حكم به، وإن كان ذلك في الباطن على خلاف ما شهد به الشاهدان وعلى خلاف ما حكم به فشهادتهما على الحكم الظاهر لم يكن قضاء القاضي موجبًا فيه من تمليك ولا تحريم ولا تحليل، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث، وممن قال ذلك: أبو يوسف -رحمه الله-.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: الثوري والأوزاعي ومالكًا والشافعي وأحمد وأبا ثور وداود وسائر الظاهرية؛ فإنهم جعلوا الحديث المذكور أصلًا في هذا الباب.
وقال ابن حزم: لا يحل ما كان حرامًا قبل قضائه، ولا يحرم ما كان حلالًا قبل قضائه، إنما القاضي منفذ على الممتنع فقط، لا مزية له سوى هذا.
قوله:"وممن قال ذلك" أي القول الذي ذهب إليه هؤلاء القوم: أبو يوسف يعقوب القاضي -رحمه الله-.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: ما كان من ذلك من تمليك مال فهو على حكم الباطن كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذها، فإنما اقطع له قطعة من النار" وما كان من ذلك من قضاء بطلاق أو نكاح بشهود ظاهرهم العدالة وباطنهم، فحكم الحاكم بشهادتهم على ظاهرهم الذي تعبد الله أن يحكم بشهادة مثلهم معه، فذلك تحريم في الباطن كحرمته في الظاهر.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم عامرًا الشعبي وأبا حنيفة ومحمد بن الحسن -رحمهم الله-، فإنهم قالوا: ما كان من ذلك. . . . إلى آخره.
وقال ابن حزم:[قال أبو حنيفة](١) لو أن رجلًا رشى شاهدين فشهدا له بزور أن فلانًا طلق امرأته فلانة أو أعتق أمته فلانة وهما كاذبان متعمدان، وأن المرأتين
(١) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "المحلي" (٩/ ٤٢٢).