قوله:"فقد أُنزل فيك وفي صاحبتك" يحتمل أنه -عليه السلام- عرف أن عويمر صاحب المسألة حين كرر السؤال له عليها؛ إما بما دل عليه من قوله أو حاله مما لم يذكر في الحديث، أو بوحي أوحى إليه عند نزول آية اللعان، وفيه أن القرآن لم ينزل جملة واحدة إلى الأرض وإنما نزل بحسب الوقائع والحوادث، آية فآية، سورة فسورة.
قوله:"فتلاعنا" أجمع المسلمون على صحة حكم اللعان بين الزوجين بهذا الحديث إذا أدعى رؤية، وكذلك قال الجمهور إذا نفى ولدًا، واختلفوا فيما بعد ذلك، فقالت فرقة: لا لعان في القذف المجرد وهو أحد قولي مالك وقول الليث وأبي الزناد والبتي ويحيى بن سعيد، وأن في هذا الحدّ بكل حال.
وقال الكوفيون والشافعي والأوزاعي وفقهاء أصحاب الحديث باللعان في القذف المجرد، وروي عن مالك أيضًا.
واختلفوا إذا أقام الزوج البينة على زناها: فعند مالك والشافعي: يلاعن؛ إذْ لا عمل للشهود في نفي الولد.
وقال أبو حنيفة وداود: إنما اللعان لمن لم يأت بأربعة شهداء، فمن أتى بهم فلا لعان.
واختلفوا في اللعان ينفي الحمل وفي وقته، فذهب الكوفيون إلى أنه لا لعان به إلا أنه ينفيه ثانية بعد الولادة.
وهو قول عبد الملك بن ماجشون. كذا حكاه ابن عبد البر.
وذهب الشافعي إلى أن كل من نفي الحمل يلاعن، وهو قول أحمد وداود وأبي ثور وحكي عنه أنه لا يلاعن حتى تلد، وهو المعروف عن عبد الملك.
وروي عن مالك وعبد العزيز وأشهب.
وعن مالك وأصحابه في ذلك ثلاثة أقوال أيضًا: يلاعن إذا ادعى رؤية واستبراء معًا، ويلاعن بالجملة دون استشهاد، ويلاعن بدعوى الاستبراء، ولا يلاعن إن لم يدعه إلا أن تلد لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية.