للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخرجه أبو داود (١) أيضًا: ثنا شعيب بن أيوب، قال: ثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرمة، عن عقبة بن عامر الجهني: "أنه قال للنبي -عليه السلام-: إن أختي نذرت أن تمشي إلى البيت، فقال: إن الله لا يصنع بمشي أختك إلى البيت شيئًا".

قوله: "ففي هذا الحديث" أي الحديث الذي رواه ابن عباس عن عقبة بن عامر.

والباقي ظاهر.

ص: وأما وجه النظر في ذلك: فإن قومًا قالوا: ليس المشي فيما يوجبه نذر؛ لأن فيه تعبًا للأبدان، وليس الماشي في حال مشيه في حرمة إحرام، فلم يوجبوا عليه المشي ولا بدلًا من المشي.

فنظرنا في ذلك، فرأينا الحج فيه الطواف بالبيت والوقوف بعرفة وبجَمْعٍ، وكان الطواف منه ما يفعله الرجل في حال إحرامه وهو طواف الزيارة، ومنه ما يفعله بعد أن يحل من إحرامه وهو طواف الصدر، فكان ذلك كله إذ كان من أسباب الحج قد أُريد أن يفعله الرجل ماشيًا، وكان من فعله راكبًا مقصرًا، وجُعل عليه الدم، هذا إذا كان فعله لا من عذر، وإن كان فعله من علّة فإن الناس مختلفون في ذلك، فقال بعضهم: لا شيء عليه. وممن قال بذلك: أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد -رحمهم الله-.

وقال بعضهم: عليه دمٌ. وهذا هو النظر عندنا؛ لأن العلل إنما تُسْقط الآثام في انتهاك الحرمات، ولا تُسقط الكفارات، ألا ترى أن الله -عز وجل- قال: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (٢) فكان حلق الرأس حرامًا على المحرم في إحرامه إلا من عذر، فإن حلقه فعليه الإثم والكفارة، وإن اضطر إلى


(١) "سنن أبي داود" (٣/ ٢٣٥ رقم ٣٣٠٤).
(٢) سورة البقرة، آية: [١٩٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>