قوله:"وقال بعضهم: عليه دم" أراد به: زفر والشافعي ومالكًا وأحمد -رحمهم الله-.
قوله:"وهذا هو النظر عندنا" أشار بهذا إلى أن القياس يقتضي ما قاله زفر ومن تبعه، وهو مختارُه أيضًا وَبَيَّن وجه ذلك بقوله:"لأن العلل. . . ." إلى آخره.
قوله:"فكان يجب في النظر" أي في القياس، والباقي ظاهر جدًّا.
ص: فإن قال قائل: فإذا وجب عليه المشي بإيجابه على نفسه أن يحج ماشيًا، فكان ينبغي إذا ركب أن يكون في معنى مَن لم يأت بما أوجب على نفسه، فيكون عليه أن يحج بعد ذلك ماشيًا، ويكون كمن قال: لله علىّ أن أصلي ركعتين قائمًا. فصلاهما قاعدًا.
فمن الحجة على قائل هذا القول عندنا: أنَّا رأينا الصلوات المفروضات التي علينا أن نصليها قيامًا لو صليناها قعودًا لَا لعذر؛ وجب علينا إعادتُها، وكنا في حكم من لم يصلها، وكان من حجَّ منا حجة الإِسلام التي يجب علينا المشى في الطواف لها، فطاف ذلك الطواف راكبًا ثم رجع إلى أهله، لم يُجْعل في حكم من لم يطف ويؤمر بالعود؛ بل قد قبل في حكم من طاف، وأجزأه طوافه ذلك؛ إلا أنه جعل عليه دم لتقصيره، فكذلك الصلاة الواجبة بالنذر والحج الواجب بالنذر هما مقيسان على الصلاة والحج الواجبين بإيجاب الله -عز وجل-، فما كان من ذلك مما وجب بإيجاب الله -عز وجل- يكون المقصر فيه في حكم تاركه، كان كذلك ما وجب عليه من ذلك بإيجابه إياه على نفسه فقصّر فيه، فلم يجب عليه إعادة، ولم يكن بذلك التقصير في حكم تاركه، كان كذلك ما وجب عليه من ذلك الجنس بإيجابه إياه على نفسه فقصّر فيه، فلا يكون بذلك التقصر في حكم تاركه فيجب عليه إعادته، ولكنه في حكم فاعله وعليه لتقصيره ما يجب عليه من التقصير في أشكاله من الدماء.
وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد -رحمهم الله-.