للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (١) وقد طعن بعضهم في هذا الكلام، وقال: يرد عليكم ما قلتم فيمن كسر قلب فضة لغيره، فصاحب القلب مخير بين أخذ قلبه المكسور كما هو ولا شيء له، وإن شاء ضمنه قيمته مصوغًا غير مكسور من الذهب، أحب الكاسر أم أبى، وما قلتم فيمن غصب ثوبًا لآخر فقطعه قطعًا يستهلكه به كخرق أو خرق في بعضه، فإن صاحب الثوب مخير بين أن يأخذ ثوبه وقيمة نقصانه، وإن شاء أعطاه للغاصب وألزمه قيمته صحيحًا، فهذه أبدال أوجبتموها بغير رضا الذي ألزمتموها إياه، ولا طيب نفسه.

قلت: لا نسلم أن هذه أبدال أوجبناها بغير التراضي؛ لأن المأخوذ في المسألة الأولى هو القلب مصوغًا غير مكسور من الذهب، وهي مثله في الشرع، قال الله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (١) والمِثْل ينقسم إلى وجهين:

أحدهما: مثله في صفته، وذلك في المكيل والموزون والمعدود.

والآخر: مثله في قيمته؛ لأنه -عليه السلام-: "قضى في عبد بين رجلين أعتقه أحدهما وهو موسر، أن عليه ضمان نصف قيمته" فجعل المثل اللازم بالاعتداء هو القيمة، فصار أصلًا في هذا الباب، وفي أن المثل قد يقع على القمية ويكون اسمًا لها ويدل على أن المثل قد يكون اسمًا لما ليس هو في صفته إذا كان وزانه وعروضه في القدر المستحق من الجزاء أن مَن اعتدى على غيره بقذف لم يكن المثل المستحق عليه أن يقذف بمثل قذفه؛ بل يكون المثل المستحق عليه هو جلد ثمانين، فإذا كان كذلك فالمأخوذ هاهنا هو المثل بمقتضى النص لا البدل عنه والبدل عنه هو أن يأخذ شيئًا آخر غير القيمة المذكورة، فإذا أراد أن يأخذ شيئًا آخر، ليس له ذلك إلا برضى المأخوذ منه، ورضا الآخذ، وكذلك المأخوذ في


(١) سورة البقرة، آية: [١٩٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>